لا شك أن استقبال دولة الإمارات العربية المتحدة يوم الاثنين الماضي، والموافق الحادي والثلاثين من أغسطس 2020، لأول رحلة جوية مباشرة من إسرائيل، ينطوي على دلالة بالغة الأهمية، وهي أن السلام الحقيقي القابل للاستدامة والحياة، هو الذي يقترن بالأفعال والمبادرات التي تعزز من الثفة وأواصر التعاون بين الشعوب، فهذه الرحلة التي تأتي ترجمة لاتفاق السلام الموقع بين الدولتين في الثالث عشر من شهر أغسطس الماضي، هي تعبير عن الرغبة المشتركة في المضي قدماً في طريق السلام، الذي يفتح آفاق التعاون في المجالات المختلفة. 
لقد كان لافتاً أن كلمة «سلام» قد كتبت باللغات العربية والعبرية والإنجليزية على قمرة القيادة في الطائرة، التي نقلت هذه الرحلة التاريخية إلى دولة الإمارات، لتؤكد بالفعل أنها «طائرة السلام»، التي ترمز إلى بداية عهد جديد تشهده المنطقة، يسيطر عليه التعاون والتعايش بعيداً عن الصراع والتوتر، الذي جعلها تعيش حقبة مظلمة من الصراعات المدمرة لسنوات طويلة استنزفت قدراتها، وقضت على آمال شعوبها في الأمن والتنمية والرخاء. 
«طائرة السلام» التي نقلت على متنها وفداً أميركياً إسرائيلياً مشتركاً برئاسة كبير مستشاري البيت الأبيض «جاريد كوشنير»، وضم أيضاً كل من «روبرت أوبراين» مستشار الأمن القومي الأميركي ومائير بن شبات مستشار ورئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، إلى جانب عدد من ممثلي القطاعات المختلفة بدولة إسرائيل، هي أول تنفيذ حقيقي لاتفاق السلام بين الدولتين، خاصة أن أجندة المباحثات والملفات التي ناقشها هذا الوفد مع المسؤولين في دولة الإمارات، تمثل بداية جادة لعلاقات قوية ومثمرة بين الدولتين في العديد من المجالات الحيوية، والتي من المتوقع أن تعود بالنفع على شعبي الدولتين، وتنتقل بمستوى العلاقات إلى آفاق أرحب وأوسع خلال الفترة المقبلة، كما أنها تؤسس في الوقت ذاته لعهد جديد في المنطقة، يُنهي عقود من التوتر والصراع، ويمهد الطريق أمام مسارات التعاون وبناء الشراكات في العديد من المجالات.
الإمارات تثبت بالفعل أنها قوة فاعلة في ترسيخ أسس الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة، ففي اليوم الذي استقبلت فيه أول رحلة تجارية من إسرائيل، والبدء في تفعيل بنود اتفاق السلام معها، من خلال تعزيز التعاون في العديد من المجالات، تم التوصل فيه أيضاً بفضل جهودها السياسية والدبلوماسية إلى اتفاق سلام بين الحكومة الانتقالية السودانية والجبهة الثورية السودانية، وهو الاتفاق الذي يشكل خطوة مهمة نحو تحقيق التنمية لسكان المناطق المتضررة من الصراع والمناطق المهمشة في السودان، ويجسد رؤية الإمارات الحضارية والإنسانية الهادفة إلى إنهاء كافة الأزمات والنزاعات والصراعات التي تشهدها المنطقة، وبناء سلام حقيقي يستجيب لتطلعات وآمال شعوبها في الأمن والاستقرار. 
وسيشهد التاريخ أن دولة الإمارات لعبت دوراً حيوياً في صناعة السلام في المنطقة، من خلال مبادرتها الجريئة والشجاعة بإقامة اتفاق سلام مع إسرائيل، والتأسيس لمرحلة جديدة من الأمن والاستقرار لدول المنطقة جميعاً، بعيداً عن أصحاب الشعارات الجوفاء والمزايدين بحقوق الشعب الفلسطيني وحقوقه العادلة، لقد اختارت الإمارات طريق السلام الحقيقي القابل للحياة والاستدامة، ولهذا حظيت مبادرتها في هذا الخصوص بترحيب دولي واسع، لأن هناك قناعة من جانب المجتمع الدولي، بأنها قادرة بالفعل على قيادة جهود السلام، وتقديم النموذج للآخرين في هذا الشأن.
إن العمل على بناء السلام وترسيخ أسس الأمن والاستقرار، هي أحد ثوابت سياسة دولة الإمارات العربية المتحدة، منذ عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، الذي كان رمزاً للحكمة، فلم يأل جهداً في التوسط لإنهاء الخلافات بين الأشقاء وتسوية الأزمات والصراعات التي تمثل تهديداً للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وعلى نهجه تسير القيادة الرشيدة في بناء السلام المستدام، فاتفاق السلام مع إسرائيل، ودعم الجهود الدبلوماسية التي قادت إلى اتفاق السلام السوداني الاثنين الماضي، والذي أنهى سبعة عشر عاماً من الحرب الأهلية، ومن قبل التوسط بنجاح في التوصل إلى اتفاق السلام بين إثيوبيا وإريتريا عام 2018، والذي أنهى الصراع الدامي بين الدولتين، إنما هي إنجازات حقيقية تحسب لدولة الإمارات، التي تأخذ على عاتقها قيادة الجهود الرامية إلى تسوية الأزمات والنزاعات والعمل على بناء سلام حقيقي. 
الإمارات باتت اليوم عنواناً للسلام تعمل من أجله، وتقود المبادرات والجهود الرامية إلى تحقيقه في كل مكان، خلافاً لأولئك الذين يشعلون الفتن، ويؤججون الصراعات والحروب، لأنها تجارتهم الرابحة، بينما تنتصر الإمارات لمبادئها وتنحاز لإنسانيتها، ولهذا ستظل دوماً صوت السلام الذي يصدح بالحق، ويحظى بكل احترام وتقدير من جانب الشعوب المحبة للخير والسلام.
*إعلامي وكاتب إماراتي
 
 
1324x787 
727.79KB