يزور الرئيس إيمانويل ماكرون بيروت للمرة الثانية في شهر، بعد زيارته الأولى لها في 7 أغسطس الماضي، ويتوقع المراقبون أن زياراته لبيروت ستتكرر، بعدما تعهد بعدم ترك لبنان وحيداً، حسبما جاء في تصريح له بعد كارثة المرفأ التي خلفت 176 قتيلاً، وخمسة آلاف مصاب، وهدمت ثلث المدينة. 
قال ماكرون في رسالة مثقلة بالدلالات: لبنان ليس قضية خاسرة، إن تركه وحيداً سيكرسه ساحة للآخرين، وفَهم المراقبون أن (الآخرين) هم المتطرفون من شتى الطوائف السياسية المسلحة وغير المسلحة، على اختلاف عقائدها وانتماءاتها وولاءاتها، ومن يغذيها إقليمياً، أولئك الذين لعبوا دوراً هدّاماً في وصول لبنان إلى حالة الدولة شبه الفاشلة، بل مهدداً بـ(الزوال) بحسب قول «جان ايف لودريان» وزير الخارجية الفرنسي، ليس غريباً أن يبدأ الرئيس ماكرون زيارته إلى لبنان بـ(فنجان قهوة مع السيدة فيروز)، في منزلها بمنطقة «انطلياس» ببيروت، في رسالة فُهم منها أن ليس هنالك اليوم في لبنان من أحد يجمع عليه اللبنانيون سوى فيروز، الرمز الفني الوطني، والمتبقي من لبنان الذي كان موحداً وعربياً في عهد الرؤساء الرواد تحديداً بشارة الخوري وفؤاد شهاب في ستينيات القرن الماضي.
وفيروز، إضافة إلى أنها تمثل ذائقة فنية معيارية، يتوقع لها المتخصصون أن تمتد لسنوات طويلة مقبلة، فهي أيضاً ترمز إلى وحدة لبنان بشماله وجنونه، وعبقرية المكان، وحيوية الإنسان فيه، والزيارة تعدُّ إحدى الرسائل التي يحملها ماكرون، مفادها أن لا أحد يستحق الزيارة من الطبقة الحاكمة، ولا من الأطراف السياسية الأخرى، الاجتماع به، وهم الذين أجرموا بحق بلادهم، وأدخلوا لبنان عبر عمليات الفساد الممنهج، والمحاصصة الطائفية، نفقاً مظلماً، بات الخروج منه شبه مستحيل. 
السؤال: هل سينجح اللبنانيون في منع الطبقة السياسية الحالية من إعادة إنتاج نفسها مجدداً؟ إن نجحوا فبالإمكان الحديث عن مستقبل، إلا أن كافة المؤشرات تقول بغير ذلك؛ فها هو الرئيس اللبناني يخرج قبل زيارة ماكرون، ليفاجئ الشعب اللبناني والمراقبين السياسيين مساء الأحد الماضي، بخطاب يعلن فيه تعهده أن لبنان دولة مدنية، ويقول لا للمحاصصة الطائفية، و(يتعهد) كما كرر، بدعوة كل الأطراف السياسية اللبنانية إلى حوار وطني تحت شعار (لبنان دولة مدنية)، تُرى، هل أطلع الرئيس عون على أجندة نظيره ماكرون، وما تحمله للبنان المستقبل، فأراد أن يقطع عليه طريق المبادأة ويسبقه إلى الإمام؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام المقبلة.

*إعلامي وكاتب صحفي