البعض من الناس، مغلق حتى إشعار آخر، أو خارج نطاق الخدمة. البعض لم يكن لحدوث الجائحة غرض في إسكات صوته، وإنما هو في سابق العهد، قرر أن يغادر حياة الناس، ويسكت صوت السلام، والوئام، ويسكن في عزلته، مختبئاً في معطف الأفكار السوداوية، ويضع على وجه الشمس قماشة داكنة، ويذهب بعيداً خلف غمامة الصمت المهيب.
البعض من الناس كان له الوباء وسيلة للنأي بعيداً عن الآخر، حتى لا يخدش ذلك السياج الذي طوّق به نفسه، وانحسر، واندحر، وانكسر مثل فنجان قديم، وبات يغط في سبات الجفاف العاطفي، متهرباً من مسؤولياته الاجتماعية، والتزاماته الأخلاقية، وقيمه الإنسانية، متسلّحاً بسيف ورمح، لصد أي تقارب حتى ولو بصوت من بعيد يأتي عبر هاتف نقال، الذي أسكت صوته، وحمله فقط كـ(بريستيج)، والسماعة الإلكترونية كذلك تلتصق بأذنيه، وتشع بلونها الأبيض الناصع.
أعتقد أنه بعد مرور الجائحة، وهي بإذن الله تذهب قريباً، بفضل جهود أبطال الصف الأول من أبنائنا وإخواننا، الذين يسهرون لنتعافى، ونحيا سعداء، لا بد أن تبرز ظاهرة تعزز مشاعر الذين أحبّوا أن يكونوا خارج سرب الطبيعة البشرية، اختاروا الانضواء في كهوف العزلة، والنكوص إلى مراحل ما قبل فجر الانبساط، وانطووا على أنفسهم مثل سجادات قديمة، يغوصون تحت ركام من غبار رثيث المشاعر، وغثيث الأحاسيس، وعتمة الرؤى، وظلام البصيرة، واحتباس حراري يكتم أنفاسهم، ويستولي على قلوبهم، ويسيطر على عقولهم، ويخطف أرواحهم، ويجعلهم مثل أجنحة فراشات ميّتة. البعض من الناس تحوّلت مشاعرهم مثل حثالة قهوة باردة، مرة إلى درجة السماجة، عقيمة إلى حد السأم.
البعض من الناس أموات ولكن تأخّر دفنهم، لأنهم يعيشون بين الناس وكأنهم بلا أرواح، خامدون، هامدون، سادرون، خائرون، كمدون، كدرون، شائهون كعملة مزوّرة، أو أحفورة بائدة.
البعض من الناس يحتاج إلى دراسة حالة، تعيد له توازنه وبناءه الشخصي، ليتأكد له أنه من المهم جداً أن يعرف الإنسان قيمة العلاقات الاجتماعية، وأنه إذا كان الظرف الراهن لا يسمح بالتقارب، فإن وسائل التواصل الأخرى، قادرة أن تحقق الغرض من التقارب. المهم أن نخرج من شرنقة التوحش، وأن تظل هواتفنا مفتوحة.