ينظر العالم بعين الاهتمام إلى العديد من العناصر التي تشكل الأمن الوطني لدولة ما، ومن أبرزها قضية «الأمن الغذائي»، والتي بدأت خلال العقود الأخيرة تستحوذ على اهتمام صانعي القرار في كافة دول العالم، وذلك لتجنيب الشعوب فقدان السلع الغذائية بكافة أنواعها خلال الطوارئ والأزمات والكوارث والنزاعات المسلحة. ولذلك جاء تعريف «لجنة الأمن الغذائي العالمي»، التابعة لمنظمة الأمم المتحدة لمصطلح الأمن الغذائي‏‭ ‬ب«‬قدرة ‬الأفراد ‬بدنيا ‬واقتصاديا ‬واجتماعيا، ‬وخلال ‬كافة ‬الأوقات، ‬على ‬الوصول ‬للغذاء ‬الكافي ‬والآمن ‬والصحي، ‬الذي ‬يلبي ‬كافة ‬احتياجاتهم ‬الغذائية ‬من ‬أجل ‬ضمان ‬حياة ‬صحية ‬وفعالة ‬لهم»‬. 
ونستطيع القول بأن حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة قد نجحت في تدعيم الأمن الوطني من خلال تقوية كافة مقوماته ومن أبرزها توفير الأمن الغذائي بأسلوب علمي قلما نجده في العديد من دول العالم. ولقد برهنت قيادة دولة الإمارات على صحة رؤيتها في قضية الأمن الغذائي خلال انتشار جائحة «كورونا المستجد - كوفيد 19» منذ بداية العام الحالي، فهذه الجائحة أدت على الصعيد العالمي إلى نتائج سلبية على أسواق تصدير السلع الغذائية وخطوط الشحن بكافة أنواعها، ولكن هذا الأمر لم يؤثر إطلاقا على شعب دولة الإمارات العربية المتحدة وذلك، يعود لعدة أسباب استراتيجية. 
السبب الأول، أن حكومة الإمارات وضعت قضية الأمن الغذائي كأحد أركان الأمن الوطني للدولة، وبالتالي يحتل ذلك النوع من أمن الشعوب قمة أولويات الأجندة الوطنية لدولة الإمارات. السبب الثاني، تأسيس أول وزارة خاصة بالأمن الغذائي في العالم ثم تعديلها لتصبح وزارة الأمن الغذائي والمائي، ما يعكس الأهمية القصوى التي توليها قيادة الإمارات لقضية الأمن الغذائي. والسبب الثالث يتمثل في إطلاق حكومة دولة الإمارات الاستراتيجية‏‭ ‬الوطنية‭ ‬للأمن‭ ‬الغذائي ‬في ‬نوفمبر ‬2018، ‬والتي ‬تهدف ‬إلى ‬تطوير ‬منظومة ‬وطنية ‬شاملة ‬تقوم ‬على ‬أسس ‬تمكين ‬إنتاج ‬الغذاء ‬المستدام، ‬وتحدد ‬عناصر ‬سلة ‬الغذاء ‬الوطنية، ‬التي ‬تتضمن ‬18 ‬نوعاً ‬رئيساً، ‬بناء ‬على ‬ثلاثة ‬معايير ‬رئيسة، ‬هي ‬معرفة ‬حجم ‬الاستهلاك ‬المحلي ‬لأهم ‬المنتجات، ‬والقدرة ‬على ‬الإنتاج ‬والتصنيع، ‬والاحتياجات ‬التغذوية. ‬وتعمل ‬تلك ‬الاستراتيجية ‬على ‬تحقيق ‬العديد ‬من ‬الأهداف ‬من ‬أبرزها ‬أن ‬تكون ‬دولة ‬الإمارات ‬الأفضل ‬عالمياً ‬في مؤشر ‬الأمن ‬الغذائي ‬العالمي بحلول ‬عام ‬2051، ‬وضمن ‬أفضل ‬10 ‬دول ‬بحلول ‬عام ‬2021، ‬بجانب ‬تطوير ‬برنامج ‬يُعنى ‬باستزراع ‬الأحياء ‬المائية، ‬وتشجيع ‬استهلاك ‬المنتجات ‬المحلية ‬الطازجة، ‬وضمان ‬سلامة ‬الغذاء ‬وتحسين ‬نظم ‬التغذية، ‬والحد ‬من ‬فقد ‬وهدر ‬الغذاء ‬من ‬خلال ‬تطوير ‬منظومة ‬متكاملة ‬لخفض ‬نفايات ‬الطعام ‬ضمن ‬سلاسل ‬التوريد، ‬وتفعيل ‬المبادرات ‬لتعزيز ‬قدرات ‬البحث ‬والتطوير ‬في ‬مجال ‬الغذاء. ‬ 
أما السبب الرابع لنجاح حكومة الإمارات في قضية الأمن الغذائي، فيتركز في تنفيذ العديد من المبادرات المهمة ذات الصلة، ومن أبرزها إنشاء «مجلس الإمارات للأمن الغذائي»، واعتماد النظام الوطني للزراعة المستدامة، وإطلاق منصة دبي لحالة المخزون الغذائي، وإنشاء «بنك الإمارات للطعام»، ثم اعتماد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، القانون الاتحادي رقم/3/ لسنة 2020 بشأن تنظيم المخزون الاستراتيجي للسلع الغذائية، الهادف إلى تنظيم المخزون الاستراتيجي للمواد الغذائية في الدولة في حال حصول أزمات وطوارئ وكوارث، وتحقيق الاستدامة في مجال الغذاء، ومؤخرا إطلاق مجلس الوزراء لاستراتيجية الأمن الغذائي والمائي.
هذه المبادرات والبرامج الاستراتيجية الوطنية أثبتت فعاليتها خلال أزمة فيروس «كورونا المستجد- كوفيد 19»، الأمر الذي يعكس نجاح الرؤية الثاقبة لقيادة الإمارات في تعزيز استعداد الدولة لمواجهة كافة أنواع الأزمات، وفي مقدمتها الجاهزية في مجال الأمن الغذائي.
*باحث إماراتي