هل هناك ما يعزز من فرضية حدوث تحول حقيقي في الموقف الأميركي من إعادة الاستقرار للشرق الأوسط؟ وما مدى تأثير قرار الإمارات العربية المتحدة الانخراط في عملية إعادة تأهيل الظروف الموضوعية، عبر الاعتراف التدريجي بإسرائيل، ضمن المنظور الاستراتيجي الجديد للمنطقة. الإعلام السياسي العربي والدولي انصرف إلى القراءة في الاستحقاقات القريبة والبعيدة للقرار الإماراتي، دون الانتباه للاشتراطات الإماراتية، أو إصرار الإمارات على أن تكون إدارة الرئيس ترامب الضامن لتعهدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
الإعلام الدولي اعتبر قرار ضم أراضٍ من الضفة وغور الأردن، كما تعهد بذلك رئيس الوزراء نتنياهو مطلع يوليو الماضي، هو بمثابة وأد لحل الدولتين، خصوصاً بعد أن أثبت نتنياهو قدرته المعتادة على المناورة السياسية مع صناع القرار الأميركي. فقد وضع الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل شرطاً ومدخلاً للانخراط في عملية سياسية شاملة مع الفلسطينيين. إلا أن الأول من يوليو مر دون أي قرار ضم، وكان ذلك المؤشر الأول على حدوث تحولٍ أميركي من القرارات الإسرائيلية أحادية الجانب.
التبابين داخل الإدارة الأميركية من ملف السلام في الشرق الأوسط، خصوصاً بين الخارجية وفريق «جاريد كوشنير»، بات أكثر وضوحاً الآن، رغم تدخل الوزير «مايك بومبيو» في أكثر من مناسبة لإنقاذ رؤية الرئيس ترامب للسلام، نتيجة افتقار فريق كوشينر للخبرة السياسة اللازمة في إدارة ملف بهذا التعقيد. فقد استطاع بومبيو إقناع الرئيس ترامب بضرورة معارضة أي خطوة إسرائيلية أحادية الجانب، مع ضرورة تطوير آليات عمل غير تقليدية في صناعة مقاربات جديدة. 
عندما حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي التنصل من التزاماته تجاه الأطراف الموقعة على وثيقة السلام الإبراهيمي، سارعت واشنطن للتدخل؛ لإدراكها حجم الأضرار المحتملة نتيجة تعثر هذه العملية، وتأثيراتها السلبية على المنظور الاستراتيجي الأميركي في عموم الشرق الأوسط. وقد لعب الرئيس ترامب، والوزير بومبيو أدواراً مباشرة لاحتواء الارتدادات الناتجة عن صلافة نتنياهو السياسية. 
المقاربة التي تنطلق منها الإمارات العربية المتحدة ليس كلها سياسياً، وذلك ما يثمنه المجتمع الدولي، وليس الإدارة الأميركية فقط، أو الرأي العام الإسرائيلي، وقد عبر الإسرائيليون بإيجابية غبر مسبوقة عن قرار تأجيل أو إلغاء ضم الأراضي. 
جملة ما تقدم يعبر عن المفقود في الترجمة السياسية للخطوة الثلاثية، ومحورية القرار الإماراتي في تخليق واقع جديد يتجاوز ما تقدم من تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. ولربما أن أهم تفاصيل هذه الخطوة، يكمن في تحفيز الأطراف المعنية بالصراع على الانخراط المباشر في إدارة ملفاتها الخلافية بشكل مباشر، فإقفال تناول تلك الجزئية أفقد الكثير من القراءات عنصر الاستشراف المنطقي للقرار، وأن حيويته ستتجاوز فوز ترامب من عدمه، أو نجاح نتنياهو في الانتخابات المقبلة.
الحقبة المقبلة ستكون من صناعة الشعوب، وستكون السياسات، إما محفزاً، أو مسرعاً، لذلك أفسحت الإمارات المجال لأدوات التواصل الإنساني، لا السياسي، في التأكيد على ذلك، انطلاقاً من إدراكها أن التسامح هو جسر التصالح مع التاريخ وكتابة جديد.
*كاتب بحريني