ربما يشعر البعض بعقدة النقص والدونية، عندما يرتفع صوت الإمارات في منطقة ما من العالم، ليعلي صوت الحق، ويلامس شغاف الحقيقة. فهذه مسألة طبيعية، فكل شذاذ العالم، وكل المنحدرين من سفوح الضآلة ينتابهم هذا الشعور، ويؤذي أفئدتهم ويملؤها بالكدر، ويكابدون غصّة تحرق صدورهم، وتكوي قلوبهم، فنجدهم يصابون بالسّعار، ويبتلون بهستيريا تقض مضاجعهم، عصاب قهري يجعل أظافرهم لباناً تمضغه أضراسهم.
مسألة طبيعية أن يعاني هؤلاء مرض الرعاش عندما يسمعون عن الإمارات بأنها حققت إنجازاً مهماً على الصعيد العلمي، أو الاقتصادي، أو السياسي، لأن الحواس الخمس لديهم تصاب بخلل في التوازن الحسي فتضيع منهم البصيرة، ويخسرون قدرتهم على تقدير الأمور، ويعتقدون أن النجاح في الإمارات هو انكسار لعصا الإشارات الدلالية التي تقودهم إلى منطقة التطور والتقدم. نحن نعلم ذلك، ولكننا لا نقدره، ولا نحترمه، لأنه إحساس بغيض، وأناني، ومجرد من أي حس سليم ولا يحمل في طيّاته سوى أحلام أشخاص فكّروا في لحظة غبش بأنهم كبار، ولكن الواقع يقول عكس ذلك، والواقع أيضاً يقول إن الشخص، أو الدولة يكبران، بقدر ما يتسع الوعي في أذهانهم، بقدر ما تصبح صدورهم حقول أزهار، ونفوسهم منابع أنهار.
لن يكبر الصغار لمجرد كابوس يسطو على رؤوسهم، لن يكبر هؤلاء لأنهم أخطأوا طريق الحقيقة، ولأنهم تحوّلوا إلى كتل من نار، والنار مهما اشتعلت، وعلت ألسنتها، وارتفعت فلابد وأن تصبح رماداً في وقت ما. هؤلاء ظنّوا أن العالم مكب نفايات، ويمكن للقطط الضالة بأن تسرق رغيفها من جوفه، والأمر ليس كذلك، العالم لا يؤخذ اغتصاباً واستلاباً ونهباً، العالم بوعي النابهين، وعمل المخلصين، وجدارة الصادقين، وحكمة الفطنين، يستطيع أن يلبس السندس والاستبرق، وأن يسير بأمان واطمئنان، ورغماً عن أنف الحاقدين والذين في قلوبهم مرض، وفي نفوسهم غرض، وفي عقولهم عرض.
الإمارات لا تقرأ فنجان الخط، بقدر ما تقرأ التاريخ، وتتلو عبره، وتحفظ مواعظه، لأجل أن تؤرخ لنفسها كتاباً يستحق القراءة، وتعمل دوماً أن يكون هذا الكتاب مفتوحاً، مشروحاً، وواضحاً، ومن غير غموض أو إبهام أو إدغام، إنها كالشمس تطلع لتنير الوجود بأهداب الذهب، وتضيء الحياة بخيوط الحب.