في العيد.. انطفأت عيون، وصمتت شوارع، وتوارت بيوت خلف آهة العزلة الرهيبة. تسمع صوت من تحب من وراء أثير ادلهم، وعتم، وغام، وسقم، وتحطّمت ذبذباته تحت حشرجة حناجر كظمت أشواقاً، وفقدت أنساقاً، وتاهت بها السبل في السؤال عن حبيب، وصديق، ورفيق عمر.
في العيد ناخت ركاب الفرح، بعد أن عصفت الريح بالنفوس، والرؤوس، وتاقت أرواح إلى حلم كان بالأمس أزهى من وجه اللجين، وأعبق من وردة البرية، وأبهى من عيون الغزلان.
في العيد عجفت جباه الصغار، مكفهرّة، مغبرّة، قاتمة، مبهمة، غامضة مثل غيمة تهرطق في السماء، وتطوي عباءتها وجلاً، وتمضي بلا بلل.
في العيد ناحت حمامات الصباح، تسأل عن حبيب تولى وأدبر، وسكرت كؤوسه من فراغ المرحلة، وجاش بعويل، يدوزن حلمه الهارب بأنامل الترقب، وانتظار ما لا يأتي، لأن القماشة الزرقاء كتمت أنفاساً وهيّضت أحساساً، ولجمت شفة، تشرّدت الكلمات على ضفافها، وتشرذمت، وتحطّمت، وتزلزلت، وتخلخلت، وترهّلت، وفاضت برجيج وعجيج، وضجيج، وأصبحت كل الاحتمالات عند منطقة الأسئلة المجروحة.
في العيد جزّ الصمت عنق البوح، واستباح الوباء عقيدة التلاقي، والتساقي، وصارت الكلمات مثل عصافير مذعورة، وغادرت أعشاشها، إلى اللاشيء، وتصبح الأحلام مثل مزار وهمي يستلب الوعي، ويضيع قيمة الوجود للموجودين.
في العيد لم يعد للعباءة السوداء المزركشة بخيوط الذهب من معنى، ولا لزجاجة العطر من هدف، كما لم يكن للدشداشة البيضاء من سبيل سوى أنها تظل معلّقة على مشجب الإحباط إلى إشعار آخر، وكأنها شريحة سمك مجفف.
في العيد نسيت الجميلة كحلها، كما تجاهلت أساور البهرجة، وجلست على الأريكة، تبلّل عينيها بدمعة الحزن، بينما تكور البعل عند ناصية مقابلة، يتلمّظ فراغه، ويحتسي من جفاف الوقت وسرمديّة الحياة.
في العيد تحول في كل المناحي، والضواحي، وأجنحة الأفئدة تبدو مثل خفقات طائرات ورقية، تتخبّط في فضاء اللا معنى، بفجاجة، وعجاجة، والأشياء تمر مثل ذرات غبار في غرفة غير مسكونة.
في العيد تئن من شاب شعرها، أين الذي كانوا يملؤون الحيز بأصوات كالهديل، ووجوه ببريق الأقمار. في العيد طفقت تستطلع باب منزلها، متى يهلّ هلال من أحبت وعشقت عطر ثيابه، ولون شعاع الفرح في عينيه.