تعرض لبنان، هذا البلد العربي العزيز، إلى ضربتين شديدتين خلال الأيام المنصرمة، الأولى هي انفجار مرفأ بيروت الذي خلّف أكثر من مئتي قتيل وآلاف الجرحى والنازحين. لن أتحدث عن النتائج الاقتصادية الكارثية المرتبطة بالانفجار، لأنه لا يوجد أسوأ من فقدان الأرواح. الضربة الثانية وربما كانت أوجع من الأولى، هي قرار المحكمة الدولية بشأن مقتل رفيق الحريري، والذي صدر بعد 15 سنة من التحقيقات التي كلفت ملايين الدولارات، وتلخص الحكم في اتهام شخص واحد وتبرئة من كان وراء هذه الجريمة السياسية النكراء. وأستغرب بعد هذا الحكم من الذين يطالبون بالتحقيق الدولي في انفجار مرفأ بيروت.
تعليقاً على انفجار بيروت، قالت مجلة «فورين بوليسي»: «إن ثقة اللبنانيين بالسلطة التي تحكمهم أصبحت معدومة، فلم يعودوا يصدقون شيئاً مما تقوله الطبقة الحاكمة المهترئة». لبنان الجريح، اليوم، يئن تحت خط الفقر، ففي تقرير لـ«الأسكوا»، فإن «نسبة الفقر في لبنان تضاعفت لتصل إلى 55% هذا العام، بعدما كانت 28% عام 2019م، ففي لبنان يوجد أكثر من 2.7 مليون فقير»
هل توحشت البشرية حتى إنها تكاد تفقد الإنسانية؟ للأسف الشديد، يبدو أن بعض المتعاطين للسياسة واللاعبين الأساسيين فيها فقدوا معني كلمة إنسانية، بل أكاد أجزم أن المشاعر لديهم قد خمدت، فلا يكاد أحدهم يحس بنتائج عمله، ومدى فظاعة ما اقترفت يداه، وهذا ما رأيناه من تبلد واضح لدى القوى الفاعلة في لبنان خلال الأسابيع المنصرمة. فرغم كل هذه الخسائر، نجد أن المأساة في طريقها للنسيان في ضوء حساسية التحالفات السياسية اللبنانية. الأحداث التي مرت بتاريخ لبنان المعاصر تؤكد لنا بدرجة- تصل إلى اليقين- أن وراء كل حدث هدفاً سيتحقق خلال التاريخ القريب. فلكل فعل ردة فعل، لكن الأحداث التي يخطط لها من قست قلوبهم، تكون ردة الفعل فيها محسومة النتائج لديهم، ما لم يتدخل عامل قوي لتغيير خريطة الطريق. 
في لبنان ضحايا كُثر للسياسة الإقليمية والدولية. وما لم يتحرك اللبنانيون من أجل وطنهم، فإن القادم أسوأ مما مضى.
عند الحديث عن لبنان الجديد، فإنني أرى إعادة النظر في مخطوطة تكوين هذا البلد العربي العزيز. وأقصد بذلك الفئوية والحزبية التي أقنع بها المستعمر طوائف لبنان بأن ذلك الأمر لمصلحتهم، بيد أن التاريخ بين لهم أن تلك العنصرية المقيتة والحزبية الضيقة أدت إلى حروب أهلية وصراعات مذهبية، جعلت كل حزب يمثل واجهة محلية لدول أجنبية على الأراضي اللبنانية. وهنا مكمن الخطر، حيث ضاعت المصلحة الوطنية اللبنانية من أجل تحقيق أهداف خارجية. هناك حلول ترقيعية سيحاول البعض تسويقها للخروج من هذه الأزمة، بيد أن الحل العملي- في تصوري- يتلخص في إعادة كتابة العقد الاجتماعي اللبناني؛ بحيث تلغى مظاهر الطائفية، ويعود لبنان بلد المحبة لكافة اللبنانيين. وإن لم يقم الشعب اللبناني بذلك، فإن الضربة القاضية قادمة لا محالة. ومن لبنان لابد أن يتعلم العرب خطورة ما يخطط لهم، والتجربة تتكرر اليوم في العراق الجريح واليمن الصريع. 
*أكاديمي إماراتي