في الوقت الذي حظي فيه اتفاق السلام بين الإمارات وإسرائيل بترحيب دولي واسع، باعتباره خطوة مهمة من شأنها تحقيق انفراجه حقيقية في عملية سلام الشرق الأوسط، فإن إيران وتركيا وجماعة «الإخوان» وقوى التطرف والإرهاب التي تدور في فلكها حاولت، ولا تزال، التشكيك في هذا الاتفاق، والمتاجرة بآلام الشعب الفلسطيني، وهذا ليس غريباً عليها، فلطالما ادعت بأنها تحمل لواء الدفاع عن القضية الفلسطينية، وهي في الحقيقة أكثر من أضر بها وتاجر بحقوق الشعب الفلسطيني. 
إن رفض هذه الأطراف مجتمعة لاتفاق السلام بين الإمارات وإسرائيل، كان أمراً متوقعاً، لأنها تعارض أي محاولات جادة لتحريك حالة الجمود في المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فتركيا هددت على لسان المدعو أردوغان بتعليق العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات، فيما وصفت إيران هذا الاتفاق بأنه «يفتح أبواب المنطقة أمام إسرائيل»، بل وجعلت نفسها متحدثاً باسم القضية الفلسطينية. أما جماعة «الإخوان» وحركات الإسلام السياسي والجماعات المتطرفة المرتبطة بها، فلم تكتف فقط بانتقاد هذا الاتفاق، وإنما واصلت أيضاً خطابها الشعبوي والتحريضي الذي يتبنى مفردات عاطفية من قبيل الدعوة إلى تحرير المسجد الأقصى، كما نظم بعض عناصر «الإخوان» في دولة الكويت مهرجاناً خطابياً انتقدوا فيه هذا الاتفاق.
إن هذه المواقف الدعائية والتحريضية من جانب هذه الأطراف لا يمكن أن تنطلي على أحد، لأن حقائق التاريخ وشواهده البعيدة والقريبة تؤكد أنها أكثر من تاجر بالقضية الفلسطينية وزايَدَ على حقوق الشعب الفلسطيني، فأردوغان الذي يتوهم أنه يتبنى الدفاع عن هذه القضية يتجاهل أن بلاده كانت من أوائل الدول التي تعترف بإسرائيل منذ عام 1947، كما أنه يقود بنفسه مسيرة التطبيع معها، بدليل أنه قام بزيارة القدس عام 2005، كما فتح برلمان بلاده عام 2007 أمام شيمون بيريز ليكون أول رئيس إسرائيلي يلقي خطابا في برلمان دولة مسلمة الهوية، فضلاً عن أن علاقات تركيا بإسرائيل تعد من العلاقات المميزة في كافة المجالات، السياسية والتجارية والتعليمية والثقافية والسياحية، وليس أدل على ذلك من أنها وقعت مع إسرائيل خلال السنوات الماضية 60 اتفاقية عسكرية، الأمر الذي يؤكد أن تصريحات ومواقف أردوغان الأخيرة ليست سوى ستار للتغطية عن تطبيعه الشامل مع إسرائيل.
إيران هي الأخرى والتي تتبنى خطاباً يبدو في ظاهره الدفاع عن الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، هي في الواقع من أكثر من أضر بالقضية الفلسطينية، لأنها تقف وراء الانقسامات بين حركتي «فتح» و«حماس»، حينما سعت إلى توظيف الأخيرة لتكون أحد أدوات مشروعها الإقليمي للتمدد في المنطقة، ودعمتها حتى شجعتها على الانفصال بقطاع غزة عن الأراضي الفلسطينية، وإيران بذلك كانت تخدم بالأساس إسرائيل وأهدافها في تكريس حالة الانقسام على الساحة الفلسطينية، وتبرير موقفها من عملية السلام، بأنه لا يوجد شريك فلسطيني جاد للانخراط معه في مفاوضات حقيقية. أما جماعة «الإخوان» وحركات الإسلام السياسي بوجه عام، فإنها لم تقدم أي دعم للقضية الفلسطينية، بل على العكس فإنها تاجرت بهذه القضية في تحسين صورتها وتعزيز القبول بها في العالمين العربي والإسلامي، بل إنها وظفتها أيضاً في الحصول على التبرعات باسم دعم الشعب الفلسطيني. 
اتفاق السلام مع إسرائيل هو قرار سيادي نابع من قراءة الإمارات للواقع والاستشراف الجيد للمستقبل، ومن إيمان عميق بأن السلام هو المدخل لتخليص المنطقة من دوامة النزاعات والصراعات المدمرة التي جعلتها تعيش، ولا تزال، في حلقة مفرغة من الفوضى وعدم الاستقرار، كما أن هذا الاتفاق ليس موجهاً لأحد، لأن الإمارات تتبنى سياسة خارجية مستقلة تستهدف دوماً تعزيز أسس الأمن والبناء والتنمية والاستقرار لجميع شعوب المنطقة، خلافاً لأولئك الذين يتاجرون بالقضية الفلسطينية ويزايدون على حقوق الشعب الفلسطيني. 
لا يمكن لإيران وتركيا والدولة الخليجية الصغيرة وجماعة «الإخوان»، ومن يدور في فلكهم، أن يزايدوا على موقف الإمارات من القضية الفلسطينية، فالتاريخ خير شاهد على أنها حملت، ولا تزال، على عاتقها الدفاع عن الشعب الفلسطيني، كما أنها من أكثر الدول تقديماً للمساعدات المادية والعينية له، بل إنها ربطت تنفيذ اتفاق السلام مع إسرائيل بالتزام الأخيرة بالتخلي عن خطة الضم للأراضي الفلسطينية، لتؤكد بذلك مسؤوليتها الأخلاقية تجاه الشعب الفلسطيني، والتزامها الثابت بالدفاع عن حقوقه المشروعة، خلافاً لهؤلاء المزايدين بحقوقه والمتاجرين بآلامه، الذين باتوا الآن أكثر عزلة إقليمياً ودولياً، بعدما تبين للمجتمع الدولي بأسره أنهم المصدر الرئيسي للاضطراب والفوضى التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط.
وعلى هؤلاء المزايدين أن يسألوا أنفسهم الآن: ماذا قدموا للشعب الفلسطيني سوى خطاب دعائي وتحريضي أسهم في تكريس الانقسامات الفلسطينية ودعم قوى التطرف والإرهاب في المنطقة؟ لهذا عليهم أن يكفوا للأبد عن هذه المزايدات الرخيصة، لأن الجميع بات على قناعة بحقيقة مواقفهم التي تريد أن تظل عملية سلام الشرق الأوسط في حالة جمود تام، لأن أي انفراجة في هذه القضية تمثل خسارة كبيرة لهم، وتعني المزيد من الانكشاف لأجندتهم الحقيقية من وراء المتاجرة بالقضية الفلسطينية، وهي صرف الأنظار عن مشروعاتهم التوسعية، حتى لو كان تحقيقها على حساب حقوق شعوب المنطقة في التنمية والأمن والاستقرار.
*إعلامي وكاتب إماراتي