ساهمت جائحة كورونا بالفعل في تدهور الديمقراطية بالعديد من البلدان، بما في ذلك البرازيل والمجر والهند والفلبين، واستخدم القادة حجة الطوارئ الصحية لجعل السلطة مركزية، وتقليل الحريات الديمقراطية، ولكن ماذا عن التأثير طويل المدى على الديمقراطية؟ يشير بحثنا إلى المسارات السببية، التي يمكن أن تؤدي إلى انهيار الديمقراطية - نتيجة التداعيات الاقتصادية العالمية للوباء، في العديد من البلدان، قد تُولّد الأزمة الاقتصادية تفاوتاً إضافياً في الدخل، وتحُّد من الحراك الاجتماعي - والذي بدوره يمكن أن يزيد من دعم الناس للقيم الاستبدادية، ويحد من الوصول إلى التمثيل السياسي، إليك كيف يمكن أن يحدث هذا على المدى الطويل، ربما تميل فترات الانكماش الاقتصادي إلى زيادة عدم المساواة في الدخل، وكانت الفوارق الاقتصادية في الولايات المتحدة، تتجه نحو ارتفاع قبل كوفيد-19، تخيل كل الدخل السنوي لدولة ما قبل الضرائب مضافاً معاً -من مصادر مثل الأجور والفوائد ومكاسب رأس المال والمساعدات الغذائية وتحويلات الضمان الاجتماعي، في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، حصل أعلى 1% من أصحاب الدخل في عام 2016 على حوالي 20% من هذا الدخل القومي، بينما حصل 50% من أصحاب الدخل الأدنى على 12% من الدخل القومي، بالإضافة إلى ذلك، كان دخل الأسرة المتوسطة للسود نصف دخل الأسرة المتوسطة للبيض، وعلى الصعيد العالمي، كان التفاوت في الدخل مرتفعاً أيضاً في البلدان الكبيرة مثل البرازيل والهند وروسيا، فضلاً عن البلدان الأصغر عبر جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا وأميركا اللاتينية.
في يونيو الماضي، توقع صندوق النقد الدولي انكماش الاقتصاد العالمي في عام 2020 بنسبة 4.9%، وفي الربع الثاني، انكمش الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بمعدل سنوي قدره 32.9%، من المرجح أن تؤدي هذه الأزمة الاقتصادية العالمية الناشئة المرتبطة بالوباء إلى تفاقم التفاوت بين النسبة المئوية للدخول الوطنية، التي تذهب لأصحاب الدخل المنخفض مقابل أصحاب الدخل المرتفع، والجدير بالذكر أن هذا يرجع إلى أن معظم المهن ذات الدخل المنخفض لا يمكن القيام بها من المنزل.
فمن المرجح أن يواجه السود واللاتين الفقراء وغير المتعلمين –إلى الحد الذي يتداخل فيه الفقر مع العِرق –حراكاً اجتماعياً آخذاً في الهبوط في الولايات المتحدة.
تشير التقارير الإعلامية، على سبيل المثال، إلى أن المليارديرات الأميركيين يستفيدون من كل من الوباء، وأيضاً من السياسات الاقتصادية لإدارة ترامب رداً عليه.
فما الذي يظهره تحليل البيانات على مستوى البلاد بشأن هذه المخاوف، يبحث عملنا الأخير حول هذا الموضوع الأوضاع في 66 دولة بين عامي 1960 و2010، ويُظهر أن الأزمات الاقتصادية تؤدي إلى عدم المساواة في الدخل، ونستخدم بيانات عن أشكال متنوعة من الأزمات الاقتصادية -الديون والتضخم والعملة وأزمات البنوك وأزمات سوق الأوراق المالية – ونظهر أن جميع أشكال الأزمات، باستثناء تراجعات سوق الأوراق المالية، تميل إلى زيادة عدم المساواة، التي تقاس باستخدام معاملات جيني (الذي يقيس عدالة توزيع الدخل القومي)، حيث تشير القيمة الأعلى إلى أن الأفراد ذوي الدخل المرتفع يتلقون نسبة مئوية أكبر من إجمالي دخل البلاد.
بشكل مباشر، يكون لانخفاض النمو الاقتصادي والارتفاعات المفاجئة في البطالة، التي تميز الأزمات الاقتصادية تأثير أكثر حدة على الأفراد ذوي المهارات المنخفضة وذوي الدخل المنخفض، من المحتمل أن تؤدي نوبات البطالة، خاصة إذا طال أمدها، إلى زيادة تآكل رأس المال البشري، وتثبيط أجور إعادة التوظيف.
وبشكل غير مباشر، يتمتع العمال بقدرة أقل على المساومة في الأزمات الاقتصادية، قد يوافقون على فرض قيود لاستعادة ربحية الشركات، وتجنب التسريح الجماعي للعمال الذي تنطوي عليه حالات الإفلاس، الأهم من ذلك، أن الشركات الكبرى أو البنوك أكثر عرضة للوصول إلى عمليات الإنقاذ الحكومي، في حين أن الأفراد أو الشركات الصغيرة، بسبب أعدادهم الكبيرة وافتقارهم إلى التنظيم، قد يفقدون الدعم الحكومي، على العكس من ذلك، سيعاني معظم الأفراد والشركات الصغيرة، إذا خفضت الحكومات الإنفاق استجابة لقيود الموارد.

وتقلل عدم المساواة الاقتصادية الدعم الشعبي للديمقراطية، فعدم المساواة مرتبط بتدهور الديمقراطية أو حتى انهيارها، ولعل الأهم من ذلك، يشير هذا البحث إلى أن الأشخاص الذين يعيشون في البلدان، التي ترتفع فيها معدلات عدم المساواة، أو الذين يعانون من الحراك الشخصي التنازلي، هم أقل عرضة لدعم الديمقراطية، وأكثر عرضة للقيم الاستبدادية.

تضمنت الانهيارات الديمقراطية في الماضي عادةً، النخب التي نفذت انقلابات -ولكنها الآن يقودها بشكل متزايد قادة شعبويون يتبنون خطاباً مناهضاً للنخبة، مثل فيكتور أوربان في المجر وأندريه دودا في بولندا، يعتمد هؤلاء القادة بشكل مباشر على دعم الجماهير للحصول على مناصب، وتوطيد السلطة من خلال تغيير قواعد الخلافة، على سبيل المثال من خلال الاستفتاءات، وبالتالي، قد يؤدي انخفاض الدعم للديمقراطية إلى تشجيع الناخبين على اختيار مرشحين ذوي مؤهلات ديمقراطية ضعيفة.
قد تضر الأزمة الاقتصادية بالديمقراطية، من خلال تأجيج عدم الاستقرار السياسي، تظهر دراسات أخرى أن عدم المساواة يولد الاضطرابات، غالباً في أشكال أعمال الشغب والمظاهرات المناهضة للحكومة، وقد تؤدي جائحة كورونا إلى خلق حالة من عدم الاستقرار على نطاق واسع، يمكن أن يؤدي عدم المساواة، على سبيل المثال، إلى زيادة تأجيج الاحتجاجات المرتبطة بحركة «حياة السود تهم»، ويمكن أن تؤدي الاحتجاجات واسعة النطاق، بدورها، إلى ردود استبدادية من قبل الحكومات، كما يتضح من إخلاء المتظاهرين السلميين في ساحة لافاييت بواشنطن.
باختصار، من المرجح أن يؤدي ارتفاع عدم المساواة الناجم عن فيروس كورونا، إلى إلحاق الضرر بالديمقراطية في جميع أنحاء العالم، من خلال إضعاف دعم المعايير الديمقراطية، وزيادة عدم الاستقرار السياسي.

 

كريستينا بوديا وكريستيان هول*

*أستاذان مشاركان في قسم العلوم السياسية بجامعة ولاية ميشيجان
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»