عندما بدأت دولة الإمارات العربية المتحدة تجني ثمار التميز في الاستجابة لجائحة كوفيد- 19، بناء على خطط الاستعداد وإدارة استمرارية الأعمال التي تركز عليها القيادة منذ عام 2007، أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، عن تشكيل أكبر فريق عمل حكومي في تاريخ الدولة يضطلع بمهمة نقل الاقتصاد والمجتمع والقطاعات الصحية والتعليمية والخدمية إلى مرحلة ما بعد كوفيد -19. وقد تمت ترجمة ذلك بالفعل إلى إنجاز وطني جديد بالإعلان عن «خطة اقتصاد الخمسين»، والتي تهدف إلى تطوير اقتصاد الدولة استناداً على المعرفة والتكنولوجيا الذكية والعلوم المتقدمة، من خلال الاستثمار في العناصر البشرية الطموحة ذات القدرات الإبداعية. 
وترتكز خطة اقتصاد الخمسين على خمسة محاور رئيسية تشكل مستقبل اقتصاد الدولة خلال السنوات العشر المقبلة، وهي: الاقتصاد التكاملي، وريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، والسياحة، والاستثمار الأجنبي المباشر ومضاعفة الصادرات، واستقطاب واستبقاء المواهب والكفاءات. والمعلوم أن الإنجازات الاقتصادية لأي دولة تقوم على مدى نجاح وفعالية نظامها التعليمي، وهو الأمر الذي ثبت بجلاء أثناء تصدي دولة الإمارات العربية المتحدة لجائحة كورونا «كوفيد- 19». فالمواطن الذي يعمل في مجال إدارة الطوارئ والأزمات والكوارث وفي القطاعات الصحية، وفي حقل التعليم وفي الخدمات الحكومية وفي الإعلام وغيرها من القطاعات الحيوية، هو من مخرجات نظام التعليم في الدولة، وبالتالي هو الأساس في مواجهة الجائحة وسيظل كذلك أثناء تنفيذ خطة اقتصاد الخمسين. ولذلك فالسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف سيستجيب نظام التعليم في الدولة لمرحلة ما بعد «كورونا»، وتحديداً كيف سيتم إعداد وتأهيل مخرجات التعليم، بشقيه العام والعالي، لتلبية احتياجات خطة اقتصاد الخمسين.
اقتصاد الإمارات ما بعد «كورونا» في حاجة ماسة إلى تسليح المواطن بالمعارف والمهارات، التي تساهم في تنفيذ المبادرات والمشاريع الاقتصادية المستقبلية بنجاح، وهذا لن يتحقق إلا بإعادة النظر في المنظومة التعليمية بالكامل، حتى نضمن أفضل المخرجات المناسبة لسوق العمل بشكل عام وللقطاعات الحيوية بشكل خاص. والملاحظ أن وزارة التربية والتعليم تبذل جهداً كبيراً في تطوير العملية التعليمية في الدولة لكي تساهم مع بقية وزارات الدولة في إنجاح خطط وبرامج التنمية الشاملة. ولكن أصبح من الضروري النظر في بعض المقترحات التي من شأنها المساهمة في تطوير نظام التعليم الإماراتي لتلبية أهداف خطة اقتصاد الخمسين. 
أولاً، لا بد أن نعي أن هناك جهوداً مبذولة من وزارة التربية والتعليم منذ تأسيس الدولة لإعداد المواطن القادر على العمل في مجالات التنمية الشاملة المختلفة، ولكن الأمر أصبح في حاجة لإجراء دراسة مجتمعية شاملة، ليس لتطوير العملية التعليمية بناء على أهداف سابقة، بل لوضع أسس تطويرها بما يتماشى مع أهداف خطة اقتصاد الخمسين. أضف إلى ذلك أن الحاجة إلى ربط مخرجات التعليم العام والعالي باحتياجات سوق العمل وتحديداً اقتصاد الخمسين أصبحت أقوى مما كانت عليه في الماضي. المقترح الثالث يتعلق بضرورة غرس أهمية اقتصاد الدولة والعمل على تطويره في مناهج الطالب الإماراتي منذ المراحل التعليمية المبكرة وبجرعات متفاوتة، لكي نضمن إعداد أجيال تعي منذ طفولتها رؤية القيادة الاقتصادية والحاجة الاستراتيجية للمواطن في عملية التنمية الاقتصادية. أخيراً، يجب العمل على إنشاء منظومة ذات أهمية استراتيجية تقوم على ثلاثة أركان هي: التعليم والتوطين والاقتصاد، وهي منظومة متكاملة مترابطة ذات علاقات وطيدة بين أركانها الثلاثة وهدفها الأسمى هو دعم خطة اقتصاد الخمسين بقوى بشرية إماراتية مزودة بأفضل تعليم.
*باحث إماراتي