في عالم السياسة وفن الممكن تقيس الدول ردود أفعالها على مسطرة المصالح، تأييداً، أم رفضاً، أم صمتاً، للتعبير عن الحياد. وفيما يخص اتفاق السلام الإماراتي الإسرائيلي، كان متوقعاً من دول اعتادت أن تتصيد في الماء العكر، كقطر وتركيا وإيران، وكذلك الطفيليات السياسية التي تدعمها، كـ«الإخوان» و«حزب الله» وجماعة الحوثي.. أن تتسابق كلها لمحاولة تشويه المعاهدة بحجج واهية، دينية أو سياسية، على منصاتها الإعلامية وفي مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، وأن توظف الحدث خدمةً لأجنداتها الضيقة، لا خدمةً للقضية الفلسطينية، كما تدعي. وأقولها من جديد؛ لم يكن مستغرباً هذا السلوك، بل هو في نطاق المتوقع من تلك الدول والجماعات.. لكن المستغرب هو أن تنجر القيادة الفلسطينية، بكل عقلانيتها السياسية، خلف شعارات أيديولوجية عاطفية، وتعارض اتفاقية السلام، رغم علمها بحدود الممكن والمعقول لحل القضية الفلسطينية في عالم اليوم.
لقد جاءت خطوة دولة الإمارات متسقةً مع مبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية، بل تجاوزت في صياغتها العديد من المواقف العربية لتطرح على إسرائيل مجدداً مبدأ الأرض مقابل السلام، بدلاً من مبدأ السلام مقابل السلام. فتاريخياً، استندت مبادرات السلام في المنطقة إلى قرار مجلس الأمن رقم 242 لعام 1967، وكانت اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 بدايةً واقعية للتعاطي العربي مع إسرائيل، وكان مبدأ «الأرض مقابل السلام» هو المبدأ الأساسي الذي انطلقت منه مشاريع السلام بين العرب وإسرائيل. وحين انطلقت محادثات السلام العربية الإسرائيلية في «مؤتمر مدريد» برعاية أميركية سوفييتية عام 1991، طرحت إسرائيل مبدأ «السلام مقابل السلام»، وانطلقت مسارات محادثات مشاريع السلام بين الأردن وسوريا ولبنان وفلسطين من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى. وفي حين تعثرت المفاوضات مع كل من لبنان وسوريا ولم تؤت ثمارها، فقد نجحت مع الأردن عبر توقيع معاهدة وادي عربة عام 1994. ومع تباطؤ مسارات السلام الأخرى، أعلنت القيادة الفلسطينية عن مفاوضات أوسلوا عام 1993، وهي المفاوضات المباشرة التي انطلقت بموجب مبادرة قادتها النرويج، وانتهت بتوقيع اتفاقية أوسلو للسلام الفلسطينية الإسرائيلية. 
إلا أن أهم فصول التحول العربي كان مبادرة السلام العربية التي قدمتها المملكة العربية السعودية، وتبنتها قمة بيروت في عام 2002، وأكدتها القمم العربية اللاحقة. 
كما مثلت «خريطة الطريق» التي رعتها أميركا وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة عام 2003، المبادرة الأبرز من حيث مرجعيتها الدولية والأممية. وعلى ضوئها جمعت لقاءات أنابوليس عام 2007 ومباحثات البيت الأبيض عام 2010 كلاً من رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس الوزراء الإسرائيلي في مباحثات مباشرة. 
ورغم مبادرات السلام المختلفة، والتي انطلقت من مبدأ الأرض مقابل السلام إلى مبدأ السلام مقابل السلام، فإنها لم تستبدل السلام لا بالأرض ولا بالسلام.
ولطالما أعاق الانقسام الفلسطيني الداخلي التوصل لرؤية مشتركة للحرب أو السلام مع إسرائيل، أو لتأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة، كما ساهم رفض القيادات الفلسطينية للحلول العربية وتقاربها مع المحور الإيراني الإخواني في تعميق الأزمة الفلسطينية. 
إن التأسيس على الخطوة الإماراتية كمنهجية للحوار والتفاهمات السلمية، يتطلب من القيادة الفلسطينية أن تنتهز اللحظة التاريخية لتعيد صياغة مفاهيم السلام والاستقرار، خدمةً للقضية الفلسطينية، وأن تتجاوز التوظيف السياسي للقضية الفلسطينية، وفقاً لاستحقاقات سياسية موسمية، أو بموجب ابتزاز عاطفي شعبي تحركه الخطابات الدعائية الخارجة عن حقائق العصر لتحقيق مآرب أخرى، ليس لها علاقة بالقضية الفلسطينية أو بالشعب الفلسطيني.

*كاتبة إماراتية