لينا أوبرماير* ولورانس دوفو**
 
ثغرات القانون البحري الدولي تفسر سبب تورط السفن التي تحمل «علم الملاءمة» في الأعمال المحفوفة بالمخاطر
----------------------
خلّف انفجار 4 أغسطس في بيروت مئات القتلى والمفقودين وآلاف الجرحى والمشردين، كما دّمر احتياطيات غذائية مهمة في بلد كان بالفعل على وشك الإفلاس.
لكن وراء هذا الانفجار، يكمن نظام معقد من الثغرات في اللوائح البحرية العالمية، نظام يسمح للمالكين بترك السفن والبضائع، مع عواقب قانونية لا تكاد تذكر.
ويعود تاريخ الانفجار إلى السفينة «إم في روسوس»، وهي سفينة مهجورة كانت ترسو في ميناء بيروت منذ أواخر عام 2013. وتم تخزين حمولتها (2750 طناً من نترات الأمونيوم) في حظيرة بالميناء لمدة ست سنوات تقريباً. في حين أنه ليس من الواضح بالضبط سبب الانفجار. لكن، إليكم ما نعرفه عن كيفية وصول الشحنة إلى لبنان.
كانت السفينة «روسوس» تبحر تحت «علم الملاءمة» عندما رست في بيروت في نوفمبر 2013. واحتجزت السلطات اللبنانية السفينة بعد فترة وجيزة من وصولها إلى بيروت، لفشلها في دفع رسوم الميناء، وعدم استيفائها للوائح الدولية. وبموجب القانون البحري الدولي، يجب تسجيل كل سفينة في بلد معين، للإبحار تحت علم هذا البلد. ويشبه تسجيل السفينة الحصول على الإقامة القانونية، ويُلزم مالك السفينة بدفع ضرائب لدولة العلم والالتزام بقوانينها. لكن منذ منتصف القرن العشرين تقريباً، استخدمت السفن التجارية ثغرات التسجيل بشكل متزايد. وأنشأت بعض البلدان «سجلاً مفتوحاً»، مما سمح للسفن التجارية بالتسجيل تحت علم دولة تختلف عن بلد المنشأ.
وتوفر ممارسة «عدم التدخل» الاقتصادية ما يعرف باسم إجراءات «علم الملاءمة» التي تسمح لأصحاب السفن والشركات بتجنب ارتفاع الأجور وتشديد اللوائح في بلدانهم الأصلية. وقد تكون أيضاً وسيلة لبقاء السفن مجهولة الهوية، أو للتمتع بمعدلات ضريبية أقل.
وتحقق البلدان التي تقدم إجراءات «علم الملاءمة» ربحاً من رسوم التسجيل. فلدى بَّنما أكثر من 8000 سفينة مسجلة (أي أكثر من الولايات المتحدة). وتستمد ليبيريا، وهي منطقة تركيز أخرى ذات شعبية كبيرة، حوالي 6% من ميزانيتها الوطنية السنوية من هذه الممارسة. وقد أغرى هذا دولاً أخرى، مثل مولدوفا (والتي هي تقريباً غير ساحلية بالكامل، وليس لها على الإطلاق أي تاريخ من النقل البحري)، وفقاً لمقال نشرته «نيويورك تايمز»، بالدخول في اللعبة.
كانت السفينة «روسوس» المملوكة لرجل أعمال روسي، تبحر تحت علم مولدوفا حين عَلَقت في مرفأ بيروت. وكانت شحنة نترات الأمونيوم متجهة إلى موزمبيق، لكنها انتهت في الحظيرة رقم 12 بمرفأ بيروت، حيث بقيت حتى يوم 4 أغسطس. ولدى وصولها، فتشت مراقبةُ الميناء في بيروت السفينةَ ووجدت، بموجب نظام المنظمة البحرية الدولية، أنها تنتهك المعايير الدولية. لكن خوفاً من ارتفاع التكاليف، تخلى المالك عن السفينة في النهاية بسبب مشاكل مالية شخصية مزعومة.
يحكم القانون البحري الدولي عمليات النقل البحري في جميع أنحاء العالم، مع العديد من الحقوق والمسؤوليات التي تغطيها اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. لكن هذه الاتفاقية لا تنظم السجلات المفتوحة، أو إجراءات علم الملاءمة، ولا تجعلها غير قانونية. ومع عدم وجود أحكام تحظر صراحة هذه الأنظمة، لا يتم ردع مالكي السفن عن ممارسة سلوك محفوف بالمخاطر. وفيما يلي بعض التحديات:
أولاً: لا يوجد وضوح في التعاريف الجوهرية، فعلى سبيل المثال، ووفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، هناك حاجة فقط إلى وجود «صلة حقيقية» بين بلد وسفينة مسجلة فيه لمنح الجنسية. ومع ذلك، يتم ترك «الصلة الحقيقية» غير محددة. وهذا يسمح بنوع من الاستدلال الدائري (أو المغالطة)، والذي بموجبه تكون «الصلة الحقيقية» التي تسمح بتسجيل السفينة مساوية لفعل التسجيل نفسه. ويمكن أن يؤدي هذا إلى بلدان ليس لديها الوسائل اللازمة للتحقق من سلامة وأمن السفن التي قد تعتبرها دول أخرى غير صالحة للإبحار.
وعلاوة على ذلك، يربط العلمُ السفينةَ بالدولة التي ستكون لها ولاية قانونية (حصرية) عليها. وهذا يعني أن مولدوفا هي الوحيدة المسؤولة عن السيطرة على أنشطة «روسوس»، وكانت ملزمةً بتطبيق قانونها المحلي عليها، وكذلك القانون الدولي. لكن القانون الدولي لا ينص على أي عواقب فورية عندما تتجاهل دولة العلم ممارسة الولاية القضائية الفعالة.
كما تفتقر دول العلم المعنية عادة إلى الأدوات اللازمة لفرض القوانين الدولية، ولكن قد لا يكون لديها سبب وجيه لفعل ذلك. وقد يكون لدولة ما السلطة القانونية الدولية لتسجيل السفن، لكن ليس لديها مؤسسات فعالة تسمح لها بتنظيمها بشكل قانوني. وهذا يعني أنه ليس من غير المألوف التخلي عن سفن مثل «روسوس»، وترك أطقمها عالقين بسبب قضايا المال أو السلامة. وتوجد بعض أشكال الحماية الدولية للبحارة المهجورين، لا سيما في اتفاقية العمل البحري لعام 2006، لكنها قليلة نسبياً، وغالباً ما تكون غير كافية.
وتساعد هذه الثغرات أيضاً في تفسير سبب تورط السفن التي تحمل «علم الملاءمة» في حالات الطوارئ البيئية، وكذلك الأعمال المحفوفة بالمخاطر.
وسبق أن تورطت هذه السفن في التلوث النفطي قبالة الساحل الفرنسي في عام 1999، وتهريب سفينة شحن هيروين بقيمة 50 مليون دولار متجهة إلى أستراليا.

*زميلة في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بلندن
**محامٍ دولي يركز على العدالة البيئية وإدارة مخاطر الكوارث

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»