ثمة منطلقات واقعية وأخلاقية ثابتة لدى جميع البشر ولدى جميع الأمم والشعوب المتحضرة بأن الحروب على مر التاريخ، هي باعث للمرارة والأسى والكوارث، حتى بالنسبة للأطراف التي لا تطالها نيرانها وكوارثها مباشرة.
ونحن في الإمارات لا يمكننا السكوت حيال أي اعتداء على إخواننا العرب أياً كان موقعهم على خريطة العالم العربي، مثلما أننا لا نستطيع أن ندعي بأن الحروب ليست باعثاً على المزيد من التدمير والمعاناة وعدم العدالة، خاصة عندما يُستخدم هذا الكم الهائل من الأسلحة الفتاكة والإرهابيين والمرتزقة إلى جانب الجيش النظامي التركي في ليبيا وسوريا والعراق.
ومرة تلو الأخرى، نحن نؤكد بأن عدم استجابة أردوغان لجميع المبادرات العالمية التي وجهت إليه لوقف عدوانه على ليبيا، خاصة المبادرة المصرية على لسان الرئيس المصري، بل وتجاهلها والإمعان فيما هو سائر فيه دليل قاطع على أن ما يتم القيام به أمر يحمل في طياته خللاً جسيماً يدور في الداخل التركي.
ما نعتقده أن الأتراك في مجملهم لا يريدون عودة الدولة العثمانية البائدة، التي أصبحت في ذمة التاريخ بكل مصائبها وويلاتها، لكنهم يتطلعون إلى مستقبل أفضل ويحلمون في بناء أمة ودولة قائمة على الأفكار الوطنية الحديثة التي أرساها وأسس لها دستور الجمهورية التركية الأصلي قبل قيام أردوغان بالعبث به وتحريفه وتشويهه، وفي خلق أجيال جديدة من المواطنين المتعلمين والقانعين بحجم بلادهم وإمكانياتها غير القائمة على الأطماع والتوسع الخارجي.
الجيش التركي يضم أعداداً كبيرة من أبناء الأتراك الفقراء الذين ينحدرون من الفئات الاجتماعية الأقل حظوظاً في المجتمع، وهؤلاء الفتيان والفتيات القادمون من الأرياف والحضر ومن الأحياء التي تحوي بشراً شبه معدمين، صار أردوغان يزج بهم في حروب في دول العالم العربي لكي يقوموا بقتل من هم على شابهتهم من المواطنين العرب في ليبيا وسوريا والعراق. أوليس هذا إخلالا بروح الدستور التركي وضمير الإنسان التركي المسلم؟
الحرب على ليبيا لم يشنها أردوغان خدمة لشعارات دينية مثالية، إنما شنت من أجل نهب اقتصادي واضح مغلف بشعارات جوفاء من الأيديولوجيا الدينية غير الصادقة، وأطماع توسعية لإعادة حماقات الدولة العثمانية في بلاد العرب، وهذه خيانة كبرى للمبادئ الخيرة التي وضع لها وأرساها مؤسسو الجمهورية التركية.
إن ما هو معروف أن الإنسان التركي يحترم جيرانه ويريد العيش معهم بسلام ويريد العدالة والحرية لنفسه ولشعوب العالم الأخرى.
والعرب لديهم الأسباب المنطقية للاعتقاد بأن الشعب التركي يريد السلام ولا يريد الحروب وليست لديه الرغبة في معاداة جيرانه من عرب أو غيرهم.
ولهذه الأسباب، فإن قيام حكومة رجب طيب أردوغان باستخدام العنف غير المنضبط ضد دول العالم العربي هو أمر غير مبرر وتناقض صارخ مع كل ما يفعله ويدعيه أردوغان والشلة التي تحيط به. 
وتوجد العديد من الدلائل التي تشير إلى أن معظم الشعب التركي لا يقر ما هو حاصل الآن ولا يريده، وبأن الأغلبية العظمى منه يتم تضليلها إعلامياً ولا تعلم حقيقة ما هو جار، أو بحقيقة التداعيات والآثار التي يمكن أن تترتب على بلادهم جراء الحروب التي يخوضها أردوغان.
والمحزن حقاً هو أن دولاً عربية تمارس الصمت تجاه ما يحدث، لأنها هي التي تدعمه مالياً لكي يشن حروبه على العرب، فالمال الآتي من دولة خليجية بعينها هو الذي يلعب الدور الأكبر في هذه الحروب في الوقت الذي يعاني فيه ملايين الفقراء العرب من الفقر والجوع والجهل والتخلف والأمراض الفتاكة.
ومن جانب آخر يتولد الآن كره شديد في أوساط الشعوب العربية تجاه أردوغان وحكومته وحزب «العدالة والتنمية»، مثلما يتولد خوف وقلق من الممارسات المتهورة التي يقوم بها أردوغان، ويتساءل العرب في مصر وتونس والجزائر حوله متى سيقوم أردوغان بغزوهم، وما هي المسببات التي ستدفع به إلى ذلك: هل هي الأطماع الاقتصادية، أم النوايا التوسعية، أم إعادة الخلافة العثمانية البائدة، أم هي الغطرسة والبلطجة الجديدة التي لم يعد لها مكان أو فرص للنجاح في عالم اليوم؟
*كاتب إماراتي