[ قصيراً عمر الورد
طويلاً يبقى عطرهُ
في الذاكرةِ والقلبِ والأثير!]
               
لعل الموت هو السر القاتم للحياة. حيث نولد لابد أن نموت، كل كائن حي منذور للموت، لكن ليس كل ميت منذوراً للغياب. إذا كان الموت قانون الحياة كما الولادة، فإن الحضور بعد الموت قانون يستله البشر من ألم الفقد وتوهج الحنين وجذوة الذاكرة. وهذا القانون يصبح عند البشر دستوراً للاستمرار في الحياة ومنبعاً خصباً للأمل. كل ما يأخذه الموت من الأحياء يترك فداحة الحزن ووخز الحسرة، فكيف إذا كان الميت إنساناً وشاعراً بحجم الشاعر المبدع حبيب الصايغ؟
لم يكن حبيب إنساناً عادياً سائراً في طرقات الحياة ومنحنيات العيش، كان نجماً تألق في فضاء الأدب، ناثراً وهجه على أرواحنا كي نستضيء. وكان طائراً نورانياً نشر أجنحة قلبه وفكره وشعاع روحه حولنا وحول تضاريس الإمارات، وجغرافية العالم. إن الفعل «كان» يشي بما مضى، وحين نكتبه مستهلين حزن الفقد وتأبين الغياب، نخجل من هذا الاستهلال ونكاد أن نقول إن حبيب الصايغ ما زال هنا بيننا، في ذاكرتنا الثقافية ودواوينه ومقالاته الصحفية التي كان يبدعها برأيه المستنير في كل المناسبات ومجالات الحياة. وقبل كل هذا في الذاكرة الشعرية التي رفدت وجداننا بالشعر وتأصلت في رؤانا ولغتنا بدلالاتها المفعمة بالتجدد والتجريب. لغة تحيلنا نحن الأدباء الذين ما زلنا نتنفس الهواء، بحثاً عن الخيال الشعري المكتنز برغبة التجديد. ما زلت معنا أيها الـ«حبيب» في نسيج الكلمة والحلم وأشواق التغيير وذاكرة الزمن والثقافة. وكأن صفاتك قد قدّت من ضياء الشاعرية وجموح الخيال. ولعل هذا الاسم كان نبوءة الأم كي تظل حبيباً أبداً في القلب والذاكرة. أو أنك أنت شئت باستبطان أمنيتها أن تكون وفق حلمها ومشيئة توقها وروحها.
ما زالت قبلتك على رأسي حين تراني في أية مناسبة ثقافية، تاجاً يلتمع بالتقدير والاعتزاز. وما زالت السنوات التي مرت على تعارفنا ولقاءاتنا ومشاركاتنا في الأمسيات الشعرية مغروسة في ذاكرة يعصى على محوها الموت.
إن تعدد المجالات التي اقتحمتها بكفاءة الممتلئ بالثقافة، ما زالت تعلمنا أن الإبداع قارات، والمبدع إنسان كوني عليه أن يسعى دائماً لأن يكون مبدعاً متميزاً. 
معذرة إذا كنت أتحدث عنك باستهلال «كان» لأني أود أن أتحدث عنك باستهلال المضارع دوماً، لأنك حاضر أبداً في نسيج أحلامنا ولغتنا وتوقنا إلى الإبداع الذي يشبهك!