ترتهن العلاقات بين الدول إلى معاهدات السلام كأصل للعلاقات ونواة لاستقرار الأمن وكأساس للشراكات الحيوية وتبادل المصالح القومية، وإذا أخل طرف بما تعهد به فللطرف الثاني حق الاعتراض باللجوء للطرق السلمية على طاولات الحوار أو الوساطات والمحاكم الدولية، وهذا عقد أخلاقي والتزام سيادي، وهو ما تلجأ إليه كل دولة تنشد استقرارها واستقرار محيطها.
دولة الإمارات العربية المتحدة منذ تأسست عام 1971 على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وهي دولة سلام لاحرب، ودولة ترعى التسامح والتعايش والتعددية، وتشرع أبوابها لكل شعوب العالم بتعدد دياناتهم واختلاف لغاتهم ومشاربهم وثقافاتهم.
ووفقاً لهذه القيم السامية، لم تتورط الإمارات يوماً بحروب أو اضطرابات، ولم ترعَ حزباً أو جماعة تنتهك الأمن والسلم العالميين، بل حملت لواء السلام منذ تأسيسها، وتحملت مسؤولية رعايته في كثيرٍ من الدول، كدعمها السلام في كل من ليبيا واليمن والسودان والصومال وجيبوتي ولبنان.. وإغاثتها المتضررين في العالم من أفريقيا إلى جزر الكاريبي.
والاتفاق الذي أعلنت عنه دولة الإمارات يوم 13 أغسطس الجاري مع دولة إسرائيل هو اتفاق سلام لعلاقات ثنائية ودبلوماسية ذو أبعاد استراتيجية وسياسية مهمة ترمي في المقام الأول إلى ضمان استقرار المنطقة ووقف ضم الأراضي الفلسطينية، وتعزيز «حل الدولتين» كحل عادل وشامل ينهي صراعاً دام أكثر من سبعين سنة، ويطوي صفحة متكلسة من تاريخ احتراب لم تتقدم فيه القضية الفلسطينية شبراً، بل تراجعت مئات الكيلومترات، وإن كان هناك من يرغب في 70 سنة أخرى من الصراع واستمرار قضم الأراضي الفلسطينية من المتربّحين والمتاجرين بالقضية، سواء من بعض أصحاب القضية أنفسهم أو فئات اليسار العربي والحزبيين «الإخوان» الذين استخدموا التخوين والصراخ أداة لمهاجمة المبادرة الإماراتية للسلام. ومن يتفحص هذه الهجمات، يجد أنها لا تعارض جوهر الاتفاق، وإنما تعارض هوية صاحب المبادرة. فتركيا مثلاً لديها علاقات مع إسرائيل منذ 1949 وتمثيل دبلوماسي قائم حتى يومنا هذا، لكنهم لا يعترضون على تطبيعها لأنها «حضن دافئ» لليسار العربي وفلول «الإخوان» الهاربين!
ما تم الاتفاق عليه بين الإمارات العربية المتحدة ودولة إسرائيل هو موقف شجاع وخطوة كبرى في طريق السلام وحركة جسورة تمت أمام الملأ وعلى مرأى العالم أجمع لا في الغرف المظلمة أو من تحت الطاولات كما يفعل منتقدوها. هذا فضلاً عن أن الإمارات دولة مستقلة ذات سيادة، ولديها حرية الخيار والقرار لما يتواءم مع مصالحها القومية في واقع جيوسياسي ساخن يدفع كل الدول المسؤولة إلى ضمان أمنها القومي، لاسيما ونحن نواجه مشروعين توسعيين يتوغلان في منطقتنا بشكل مزعج، فإيران تهيمن على أربع عواصم عربية، وتواصل تدخلاتها عبر حروب بالوكالة والميليشيات الباغية، وتركيا تزحف غرباً لتحقق حلم أردوغان العثماني التاريخي.. وليس أمام دول المنطقة بدٌّ من مصافحة طرف قوي يشكل أكبر قوة نووية في المنطقة ويتسنم المرتبة 18 عالمياً في القوة العسكرية والعتاد الحربي، فضلاً عن كونه مؤثراً كبيراً على المجريات السياسية في العالم، ولديه نفوذ كبير في المؤسسات السياسية الأميركية المؤثرة في صناعة القرار العالمي.
الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي للسلام، والذي تم برعاية أميركية أُطلق عليه «الاتفاق الإبراهيمي» نسبة إلى الرمزية الدينية لسيدنا إبراهيم عليه السلام أبو الديانات السماوية الثلاث (الإسلام والمسيحية واليهودية)، وأبرمه ثلاثة ساسة ينتمون لتلك الرسالات، لتنعم الدولتان الموقعتان بسلام دائم بما تملكانه من ناتج قومي ومقدرات كبيرة في المجالات العلمية والتكنولوجية.. مما يعزز نموهما الاقتصادي وازدهار تعاونهما التجاري والاستراتيجي. فالخيار الصحيح هو: «صافح لتربح أو صارع لتخسر»!