يدور الحديث من قبل بعض الجهات ووسائل الإعلام، منذ أكثر من عام، عن جولة أخرى من ما يسمى بـ«الربيع العربي»، حيث حاولنا البحث عن العوامل والأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى إمكانية ذلك، إلا أننا لم نجد سوى أحداث لبنان والجزائر قبل جائحة كورونا، والتي لا تبرر الوصول لهذا الاستنتاج حول الجولة الثانية المزعومة.
وكما يقال «يا غافل لك الله»؛ إذ كان هناك من ينفخ بهدوء في الرماد لإشغال النيران من جديد وتقليب الضحية على نار هادئة، وذلك بعد أن اكتشف أن أساليب «الربيع» الأول لم تعد مجدية، فالرؤية اتضحت، واللعبة انتهت إلى مآسٍ وكوارث مؤلمة في سوريا والعراق وليبيا واليمن، بل وحتى تونس، مما أدى إلى اتباع أسلوب جديد أكثر خبثاً وتدميراً، وذلك من خلال تخريب وإنهاك اقتصادات البلدان المستهدفة، ومثلما بدأت حملة التخريب في الجولة الأولى في الخليج العربي باستهداف الكويت، بتمويل دولة خليجية صغيرة، من خلال دعم جماعة «الإخوان» هناك، فإن الإعداد للجولة الثانية بدأ أيضاً من الكويت، بأساليب اقتصادية جديدة، من خلال شلة «الفاشينيستا». 
البلدان العربية التي أدركت مخاطر الدولة الخليجية الصغيرة، سدت أبواب الشر أمام أنشطتها، مما حدا بها إلى الطعن مرة أخرى من الخلف. ومثلما يتوجب على المسافر عبر رحلات غير مباشرة المرور بمحطات «ترانزيت»، فإن عملية التخريب الاقتصادي ضمن التحضير لجولة «الربيع الثانية»، وصلت «ترانزيت» أيضاً من خلال تشكيل مركز التخريب الاقتصادي وربطه بالبلدان الأخرى؛ إذ لولا هذه المقاطعة لتمددت الشبكة بصورة يصعب السيطرة عليها.
وبفضل متابعة الأجهزة الأمنية في الكويت لشبكة «الفاشينيستا» التخريبية، أمكن الحد من أضرارها على قطاعات اقتصادية رئيسية، وهو ما ساعد على الحد من إثارة موجة من التذمر الاجتماعي، التي بدأت بوادرها في الظهور قبل وقف عمل «الفاشينيستا» وتجميد حساباتهم ومصادرة أملاكهم، علماً بأن «الفاشينيستا» أسلوب حياة غير تقليدي وليس وظيفة، إلا أنه تحول في حالتنا هذه إلى مهنة مأجورة.
ولشرح عملية التخريب الاقتصادي بصورة موجزة جداً، فإنه يمكن الإشارة إلى أنه كان هناك اقتصاد ظل، أدى إلى ثراء فاحش لبعض الأفراد البسطاء، وتوقيع عقود وهمية بمليارات الدولارات، وحملة كبيرة لغسيل الأموال وترويج المخدرات وتهريب السلع الثمينة؛ إذ أدى ذلك إلى شبه انهيار لصناعة الإعلان المحلية والصناعات الصغيرة المرتبطة بها، كما كلف الدولة بعض العوائد، وتمت عمليات اختراق خطيرة للقطاع المالي والمصرفي المهم من خلال إشراكه في هذه العمليات غير المشروعة، وهو أدى إلى امتداد الأضرار الاقتصادية إلى كافة القطاعات، وذلك بحكم ارتباطها واعتمادها على التمويل المصرفي؛ إذ أن استمرار ذلك ستكون له عواقب مؤلمة، ستؤدي إلى فقدان الوظائف وارتفاع معدلات التضخم وهروب رؤوس الأموال، مما سيفرز موجة من الاستياء في المجتمع، والتي ستعتبر مقدمة للموجة الثانية من الربيع المزعوم.
بالتأكيد، العدد الأكبر من «الفاشينيستا» لا يمكن أن يستوعب ذلك؛ إذ أنهم استغلوا، كأداة تخريبية من قوى الشر، كما أن الثراء الفاحش الذي هبط عليهم من السماء، جعلهم يفقدون عقولهم، فزعيم المجموعة كون ثروة بحجم 500 مليون دينار كويتي (مليار ونصف المليار دولار) في فترة زمنية وجيزة، بعد أن كان يتقاضى راتباً متواضعاً لا يتجاوز 700 دينار شهرياً، في حين كان الدخل الشهري لأحدهم 300 ألف دولار، كما أن إحدى «الفاشينيستات» والتي تنتمي إلى عائلة خليجية بسيطة، تفاخرت في وسائل الإعلام بارتدائها عقداً من المجوهرات بقيمة 20 مليون ريال سعودي (5.3 مليون دولار) وذلك إلى جانب إكسسوارات أخرى غالية الثمن! 
*مستشار وخبير اقتصادي