اكتسبت اللغة العربية مكانة رفيعة بين الأمم وقدرتها على التكيف بين اللغات الأجنبية والثقافات العالمية، فهي لغة السياسة والعلم والأدب والمعرفة لقرون طويلة مضت إلى أن وصل عدد الناطقين بها إلى ما يزيد على 422 مليون نسمة حول العالم، وهي لغة القرآن الكريم الذي يتلوه قرابة مليارين من المسلمين في مختلف أنحاء العالم. وتعتبر اللغة العربية أقدم اللغات السامية وإحدى لغات العمل في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي تم بموجبها إقرار تاريخ 18 ديسمبر من كل عام مناسبة عالمية للاحتفاء بلغة الضاد، ويتجدد عبرها الاتصال الفكري والثقافي بين شعوب العالم. إلا أن إشارة منظمة اليونيسكو إلى إمكانية استخدام اللغات السائدة بدلاً من 90 في المئة من اللغات الحالية في نهاية القرن الحادي والعشرين، يثير القلق خصوصاً في ضعف الإنتاج العلمي والفكري بلغة الضاد وتأثيرات عولمة الثقافة التي ألغت الحيز الجغرافي باتجاه دخول المجتمعات العربية ثورة الاتصالات والمعلومات. 

اللغة تقع في صميم منظومة الأمن الوطني لأي مجتمع، لأن المجتمعات التي تضعف لغتها الأصلية تصبح عرضة للاختراق من لغات أخرى مهيمنة، ونشير هنا إلى قوى الإسلام السياسي وعلى رأسها «الإخوان» التي تدعمها تركيا بأيديولوجيا وهجمات فكرية ممنهجة لا تعترف باللغات ولا بالإرث الثقافي العربي.

دولة الإمارات لم تكن سباقة فقط في إطلاق المسبار الفضائي إلى المريخ أو إنشاء محطة للطاقة النووية السلمية من بين 22 دولة عربية، ولكن أيضاً قادت الجهود والمبادرات من أجل الحفاظ على لغة الضاد كجزء أصيل في تعزيز المواطنة وأواصر الترابط الثقافي العربي. وتجدر الإشارة إلى أن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، قال «إن اللغة العربية هي قلب الهوية الوطنية ودرعها وروح الأمة وعنصر أصالتها ووعاء فكرها وتراثها»، وذلك انطلاقاً من أهمية وضع اللغة العربية في المكانة التي تليق بها بين لغات العالم التي ترمز إلى المحبة والتعايش بين الشعوب. وفي تصوري، لقد نجحت الإمارات في السير بخطوات جادة وقوية نحو التقدم العلمي والحداثة لتطوير ذاتها حتى وصلت إلى مصاف الدول المتقدمة، ولكن في الوقت نفسه حافظت على مكانة اللغة العربية عبر مواصلة حوارها الإنساني وانفتاحها على العالم. وواصلت الإمارات ريادتها في إثراء محتوى اللغة العربية بعد اعتماد استراتيجية مركز أبوظبي للغة العربية 2020-2025 مؤخراً لترسيخ لغة الضاد في التقنيات الرقمية وتحفيز الحراك الثقافي الذي تشهده الإمارات بالتوازي مع جميع مجالات التنمية الأخرى. كما شكّل «ميثاق اللغة العربية»، الذي تم إعلانه في أبريل 2012 مرجعاً لجميع السياسات والقوانين المتعلقة بحماية اللغة العربية، وتعزيز استخدامها في الحياة العامة، ولن أنسى مبادرة عام القراءة عام 2016 الذي أسهم بشكل فاعل في تعزيز مكانة اللغة العربية ومبادرة تحدي القراءة العربي، حيث قرأ طلبة المدارس في الوطن العربي، ملايين الكتب خلال سنة دراسية واحدة. 
وتستمر الإمارات مصدرَ ثراءٍ للغة العربية، إيماناً منها بأن العلاقة بين لغات العالم لا يجب أن تكون تنافسية، ولكن تفاعلية في سبيل التواصل الإنساني.


*باحث إماراتي في القضايا الجيوسياسية