بلا مبالغة، إن من يملك العلم هو من يحكم العالم، ومن يشكك، فليذهب إلى التاريخ يقرأه ويتفكّر على قاعدة «فهل من مدّكر». في عام 1636، كان المشهد البائس في العالم العربي والإسلامي، هو العثمانية. ولشدة حب أجدادنا من السلف، لله ورسوله، وغيرتهم على الدين الإسلامي الحنيف، لم يفكروا بنمط استشرافي، فحينما خرج عليهم من يقول: إننا استمرار للخلافة الراشدة. صدقوهم، إلا قلة قليلة أبت السير على الدرب ذاته، أسعفتها النباهة أن وراء الأكمة ثعبان متربص. ولأن الكثرة تغلب الشجاعة كما قالت العرب، أعمل العثمانيون في الأمة قتلاً وتنكيلاً، حتى وصلوا إلى مدينة الرسول، ففجروا بأهلها. فكان من لم يمت، يركب قطار النفير «سفربرلك» في رحلة الهلاك، لينطلق بهم من حي العنبرية بالمدينة المنورة نحو بلاد الشام وإسطنبول، ومن رفض، عليه القيام بأعمال السخرة مقابل وجبة طعام.. وسرقوا مقتنيات الحضرة النبويّة، وخطفوا التاريخ، نهبوا المخطوطات وأكوام من الكتب المهمة، بعضها لا يزال موجوداً، شاهداً، في متحف إسطنبول، فعم الجهل 4 قرون أو يزيد، وران التخلف حتى عام 1919. في الحقبة ذاتها، ما الذي كان يجري في الجانب الآخر من العالم؟ في عام 1636، تأسست جامعة «هارفارد» في أميركا، وجاء القرن الـ 18 لتؤسس جامعة «يل» 1701، وفي النصف الثاني منه، تأسست جامعة «برنستون» و«كولومبيا» و«بنسلفانيا». وبعد ستة أعوام تمكنت جامعة كولومبيا منح أول درجة دكتوراه في الطب. هذه الهجمة الأميركية على تشييد الجامعات، توجت بجامعة «جونز هوبكنز» 1876، وهي الحدث التاريخي الأهم، والعلامة الفارقة، حيث أرّخت لبداية انطلاق أميركا كقوة عظمى قادمة، فقد كان هدف جامعة «هوبكنز» هو البحث والعلم، والناتج المعرفي، والإنتاج الصناعي، والعائد الاقتصادي. وبجملة كانت متداولة «هوبكنز هي الجامعة الدولة». في هذا المنعطف التاريخي انتقلت الجامعات من تعليم الطلاب إلى إنتاج المعرفة، وأصبح جوهر الجامعات هو تقديم العلماء وليس الخريجين. يقول «إريك كاندل» من جامعة كولومبيا: إن رسالة الجامعات هو اكتشاف أنواع جديدة من المعرفة، وأنماط جديدة من التفكير، كما لا يمكن الفصل بين التعليم والبحث، وهذه حقيقة، فـ80 في المائة من الصناعات الأميركية الجديدة تعتمد على اكتشافات قامت بها الجامعات. الأهم في السياق، ما قاله أول رئيس لجامعة «كورنيل» «أندرو وايت»: إن جامعة برلين هي المثل الأعلى للجامعات الأميركية. ما الذي فعله أدولف هتلر بألمانيا؟ وما الذي يريد فعله العثمانيون الجدد؟