الجرح اللبناني لا يزال ينزف ويفرض ألمه على المشهد الإقليمي والدولي، ولا بوادر تلوح في الأفق لتجاوز ما حدث ويحدث في لبنان من أجل وضع حد لمعاناة شعب عاشق للحياة، ما تعرّضت له بيروت يهز الوجدان، فهل هي والحزن توأمان؟
عشية الانفجار الذي أسفر عن مقتل زهاء 170 شخصاً وإصابة أكثر من 6 آلاف آخرين من جنسيات مختلفة، بدت بيروت وكأنها مدينة حرب، ولهول المأساة تعاطف العالم مع لبنان الجريح، وكعادتها الإمارات كانت في طليعة الدول التي تقدمت لتكون إلى جانب اللبنانيين في محنتهم الجديدة والمؤسفة، فقدمت مساعدات عاجلة للبنان ووعود بدعمهم تباعاً علّهم يتخلصون من منظومة الفساد التي أشار إليها حسان دياب رئيس الوزراء المستقيل. تلك المنظومة التي جعلت أهل لبنان ضحية الساسة الغارقين في الخلاف، وفي التناحر على الزعامة باسم الوطنية، مع أن كثيرين يدركون أن كل ما يقوم به هؤلاء ليس إلا خدمة لمصالح ضيقة، حتى وإن حصلوا عليها على أشلاء بلدهم وأهله.
إن الفساد المستشري في لبنان كارثي، وبالتالي لم يعد ينفع معه أي ترميم أو إصلاح، خصوصاً وأن جميع مفاصل الحكومة المعنية تتنصل من مسؤوليتها عن تخزين مادة نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت وعلى مقربة شديدة من مناطق مأهولة، لا بل وكثافتها السكانية عالية.
الحادث المأساوي الذي أصاب لبنان في مقتل وألحق به وجعاً كبيراً يؤكد بوضوح وجلاء أن لا سبيل لنجاته إلا برحيل الشخصيات الموجودة في الحكومة اللبنانية وفي سدة مناصب مهمة طوال العقدين الأخيرين، وبعضهم لا يزال منذ ثلاثة عقود. وبينما غرق الفاسدون في جني المكاسب وتحقيق المنافع الشخصية تُرك لبنان لمصير أسود.
المشهد الأخير من مشاهد «الخراب» اللبناني تصدره «حزب الله» بالدرجة الأولى، وبينما الناس كانوا يصرخون ويرفعون الصوت عالياً منذ أشهر بضرورة تنحي هذا الحزب – وغيره - عن المشهد السياسي وعن ضرورة الخلاص من سطوته، جاء الانفجار الذي هز العالم، لكنه زاد كذلك من حدة مطالبة اللبنانيين – ما عدا أنصار الحزب – بضرورة رحيل كل الفاسدين بلا استثناء، وعلى رأسهم «حزب الله» ذراع إيران اليمنى في المنطقة.
لبنان بأهله، بالأمس واليوم ضحية سياسيّيه قبل القوى الإقليمية والدولية، ولا أجد مبرراً للوم أولئك الذين التفوا حول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والذين طلبوا من فرنسا إنقاذهم وفرض حمايتها على وطنهم الجريح. صحيح أن الدعوة غريبة جداً، لكن لا بد من تفهّم وجع اللبنانيين المتضررين المنكوبين.
إن المشهد عبثي، لكنه يكشف حالة اليأس التي يعيشها المواطن اللبناني ودرجة إحباطه من «نخبه» السياسية، إذ لم يعد يثق بهم، لا بل ويعتبر استمرارهم في مناصبهم التي تقاسموها فيما بينهم ستؤدي إلى نتائج كارثية أكثر وأكبر من تلك التي حصلت، وبالتالي ليست هناك بارقة أمل للخروج من دائرة الأزمات التي يعيشها لبنان الأزمة تلو الأخرى.
الوضع ما قبل الانفجار بالتأكيد لن يكون كما بعده، وهتافات اللبنانيين في مختلف المناطق اللبنانية والتي بدأت في أكتوبر 2019 بضرورة رحيل السياسيين أصبحت أكثر وقعاً حينما طالب المتظاهرون بمحاسبة المسؤولين جميعهم.
لبنان في ظل أوضاعه الكارثية يغرق، وسريعاً سيصل إلى القاع إذا استمر الوضع على ما هو عليه الآن من دمار اقتصادي وسياسي واجتماعي وحتى نفسي. وإذا لم يتغير شيئاً ربما ستأتي حوادث أخرى أمرّ وأعنف. نعم.. نحب لبنان، ونحب أهل لبنان ونتمنى لهم مستقبلاً يليق بهم، لكن عليهم أن يتكاتفوا وأن ينتصروا لبلدهم لا لسياسييه وأحزابه الذين أوصلوه إلى حافة الهاوية. نحب أهل لبنان، مثلما نحب لبنان الذي نتمنى له أن يكون بالفعل سيداً.. حراً.. مستقلاً.