- ضريبة فلسطين كانت ملزمة على كل الدوائر المحلية والأفراد والمؤسسات عندنا، وبنسبة ثابتة، فقد كان الواجب ونيل الشرف من أجل فلسطين يتقدم كل أفعالنا، ويسبق نياتنا، كنا أفراداً وحكومات وهيئات نكيل ونزيد، ولا نعدّ، ولا نحصي، ولا نمنّ، نؤثر على أنفسنا، ولو كان بنا خصاصة، بل ونَعُفّ عند المغنم، لأن فلسطين التي هناك غالية، وشعبها عزيز، لكنّ «النضاليين والثوريين التقدميين» كانوا ينادون بأحقيتهم في دخل النفط، ويعدوننا من «ذيول الرجعية»، و«أذناب الإمبريالية أو الحيّة الرقطاء»، غير مستحقين ما وهبنا الله، ويريدون الوصاية علينا، وتقديم الحماية لنا، وهم في العراء، عُزّل إلا من مدافع الصوت، وزَبَد الخطابات السياسية والوطنية البتراء، والتي كانت تتجاوز ما على الأرض من معاناة الناس إلى المتاجرة بآلامهم وأوجاعهم، ورسم لوحة زرقاء دوماً لسمائهم، كانوا أهل الخارج الذين يطعمون أهل الداخل الهواء، ويسمعونهم جعجعة بلا طحن.
- انتهى زمن التكسب بالعاطفة، والشحاذة بدغدغة مشاعر الناس، وانتهى زمن القتل بالإنابة، وانتهى زمن الإيجار والاستئجار للسلاح والكوفية السوداء والبيضاء، وانتهى زمن النضال عن بُعد، وانتهى العمل بالتقية، والمطالبة بدم قميص عثمان، فالداخل الفلسطيني يتوجع، والخارج الفلسطيني متخم، الفلسطيني الحق في المخيم، والفلسطيني المجاهر، المتاجر في قبرص والقاهرة وعواصم أوروبا الشرقية، وأينما وجد دقّ المزاهر.
- يعني واحد لابس «برنيطة» على قولهم، جوازه بريطاني، ومهاجر لأميركا، وزوجته أسترالية، وعنده ولد يدرس في كندا، وزعلان على «الكضية»، ويشكك في مواقف الإمارات الداعمة لفلسطين وأهلها، ويقف مع الموقف التركي لأنه زرع شعر في تركيا ونجح، وسوى تركيبة أسنان سيراميك رخيصة في إسطنبول بأقل من أميركا بـ 7 آلاف دولار، وعدّه مكسباً في الحياة!
- من الناعقين بالصوت العالي من أجل تحرير كل شبر من الأرض مقاول بناء، أسس شركته في الخليج، وتكسب من هنا، وحين تمكن وزّع أبناءه على عدة بلدان أميركية وأوروبية ليتابعوا طريق النضال الأسمنتي، رافضاً مبدأ العودة أو التبرع للقضية، لأنه كان يشك في قادة النضال، ويشك في مصير التبرعات، حتى فرضوا عليه «أتاوة فلسطينية» لحمايته وأسرته من التصفية المالية والجسدية، فدفع مرغماً، وأرغم على الابتسامة في الصورة الملتقطة رافعاً إشارة النصر، ولقنوه متى وأين ولمن ينعق بالصوت العالي من أجل القضية.
- منذ غابت كلمة «الفدائي» من القاموس الفلسطيني، حضرت كلمات أخرى للاستهلاك غير المنطقي، وهي شماعات للاستجداء والمزيد من الفساد والابتزاز، خيانة القضية، التكسب باسم القضية، لعبة التأمر من أجل حل القضية، الرهانات الخاسرة على الحصان الأسود الهرم، لأنه شعار للمنظمات والحركات الفلسطينية التي تناضل من أجل بقاء القضية!