إعلان معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل ليس حدثاً عابراً، بل متغيراً في قواعد السياسة يتجاوز الشرق الأوسط إلى التوازنات الدولية في أكثر عواصم العالم تأثيراً، فالمعاهدة وإنْ كانت ستمنح «حل الدولتين» فرصة مجددة، لتكون حلاً متاحاً عادلاً للقضية الفلسطينية، غير أنها الوحيدة بين كل اتفاقيات السلام العربية، التي انتزعت من إسرائيل ما هو ممكن من الحقوق الفلسطينية، يضاف إلى ذلك أن معاهدة السلام تمنح «الجمهوريين» هدفاً سياسياً، سيرجح كفتهم في انتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة، في نوفمبر المقبل.

الدبلوماسية الإماراتية تبرهن على مدى قدراتها ورؤيتها الاستشرافية، فهذه المعاهدة سلسلة من نجاحات احتملت ذات الحدة، فبالعودة للموقف الإماراتي من تأييد ثورة الشعب المصري في الثلاثين من يونيو 2013، كان القرار حاسماً نظراً لوضوح الرؤية الإماراتية من جماعات الإسلام السياسي، وهو ما تكرر في المشاركة الفاعلة لدولة الإمارات في عملية «عاصفة الحزم»، دعماً للقرار السعودي، والتزاماً بإفشال كل المشاريع الإسلاموية.
الدبلوماسية الإماراتية ظهرت في المصالحة التاريخية بين إثيوبيا وإرتيريا، وكذلك في نزع فتيل أزمة الهند وباكستان.. هذه ملفات تعكس كيف تستثمر الإمارات في قوتها الناعمة، وهو ما جعل من صحيفة «نيويورك تايمز»، تصنف صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بالشخصية الأكثر تأثيراً في الشرق الأوسط.

قوة التأثير جاءت من متانة الدولة الإماراتية ومؤسساتها، واستعدادها على خوض التحديات، وإن كانت شديدة الصعوبة، فالارتكاز على مؤسسات تنطلق من مراكز بحثية متخصصة، لا بد وأن تحقق نتائج إيجابية مثمرة في توقيت قصير، لذلك تتلاحق النجاحات في الإمارات من نجاح برنامج الفضاء الإماراتي، إلى تدشين المفاعل النووي السلمي، نجاحات تكرس رؤية استشرافية تضع في أولوياتها بناء الإنسان، وتحقيق الأهداف الواضحة للدولة داخلياً وخارجياً.
في سياق معاهدة السلام بين  الإمارات وإسرائيل، كان للحجر الذي ألقاه السفير الإماراتي في واشنطن، معالي يوسف العتيبة على الساحة الإسرائيلية، في مقاله الذي أحدث حراكاً واسعاً داخل إسرائيل النقطة الأساس في المعاهدة، فتحالف (نتنياهو- غانتس) يقوم على ضم أجزاء من الضفة الفلسطينية وغور الأردن، مما يعني عملياً إطلاق الرصاصة على مبادرة «حل الدولتين»، وبذلك لا يكون للمبادرة العربية وجود سياسي.

كان لا بد من الإمساك بأطراف الفرصة العربية، وكان يجب مراعاة أن تحالف (نتنياهو- غانتس)، يتوجه لاستثمار الانتخابات الرئاسية الأميركية، فكانت المعاهدة تمنح «الجمهوريين» خطوة إيجابية، مقابل توظيف لمد علاقة مع إسرائيل، تفتح الباب لاستقرار ممكن في حال استوعبت القوى الفلسطينية المنحة الإماراتية، ودخلت مفاوضات وظهرها على محور العرب، دون الاكتراث بالمحور الإيراني والتركي.

المعاهدة تمت وحققت الإمارات هدفاً دبلوماسياً مهماً، يعزز من استشراف المستقبل للإمارات ورؤيتها الواضحة بشرق أوسط غير مؤدلج وخالٍ من صراعاته المزمنة، وهذه هي رؤية الإمارات لشرق أوسط يتنافس في التنمية والعلوم، بدلاً من التنافس انطلاقاً من حروب ماضوية، استنزفت المنطقة، وأهدرت طاقاتها.

هذه رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، كزعيم لشرق أوسط القرن الحادي والعشرين، فالقرارات الشجاعة ليست في الحرب والسلام، بل في التخطيط الصحيح، واستغلال الطاقات البشرية والفكرية، في تحقيق غايات الشعوب التي باتت ترى في الإمارات أرضاً لأحلامها واستقراراها.
الرؤية الإماراتية هي حديث العالم، فالأرض الصحراوية هزمت كل المستحيلات، وهذا الأنموذج الذي سيتسع ويتفشى في المنطقة العربية، وهي جزء من عالم متحرك لا ينتظر المترددين في زمن الشجعان الكبار، الذين يكتبون تاريخ الشرق والعالم، بما يمتلكون من إرادة وشجاعة وطموح، فمن أراد السير في ركب الناجحين ليؤمن بزمن محمد بن زايد العظيم. 
*كاتب يمني