عندما تشعر بأن ابنك صحا فجراً وارتدى ملابس الشرف الرفيع، وودّعك بابتسامة ترفرف على وجنتيه مثل علم بلادك، مثل التحيّة العسكرية الصباحية، مثل الأنفاس الطاهرة التي تتردد في صدور الأشبال، وهم يؤدون الطابور الصباحي متهلّلين بالفرح، وتكسوهم روح العزة، والكرامة، والشهامة، ونجابة الناس الأوفياء.
في هذا اليوم الذي تجد فيه فلذة كبدك يرفل بشعاع كأهداب الشمس، تتألق به عيناه الصافيتان، ناهلاً من مجد الإمارات العريق ما يدعوه للوقوف أمامك وكأنه النورس، يخفق بقلب ملؤه القناعة، بأن في الخدمة الوطنية نبراساً، يقود خطواته نحو غايات، ورايات، وساريات تكبح العاديات، وعاتيات الزمن، وتطوق الوطن بقلائد الشرف الرفيع، وتمنحه أوسمة الرفعة والكرامة.
وهكذا تجد نفسك أمام واقع جديد، وحلم فريد، ووعد سديد، وعهد مَجِيد، وقدرة فائقة على انتظار عودة شبل محمّلاً بوعي، مضمونه هو أن مرحلة انتهت، وانبلجت مرحلة أخرى، فيها من ثقافة العصاميّة، الذات النقيّة من شوائب الاتكالية، العقل الصافي، والنفس المطمئنة، والروح العالية، تحرك في داخله أجنحة الشفافية، والجلد والصبر، والمثابرة، والعمل الجاد، متخلصاً من عواهن، وشواحن، مكتنزاً بأحلام الوطن وطموحاته، وتطلعاته، ورغباته، وأمنياته، وآماله العريضة.
في هذه اللحظات الحاسمة من عمرك، تشعر بأن هناك مخلوقاً جديداً يتشكل، وأن هناك عقلاً ينمو في داخل العقل، يأخذه إلى قناعات مختلفة، ويدخل به في غرفة أوسع من عيون الشمس، بجدران أعلى من الجبال الشاهقة، هناك تشعر بأن النداء العسكري الصباحي، قد تغلغل في صدر هذا الشبل، وتسرّب في قلبه، ثم في عينيه، ثم تجلى، وقدرة سحرية ألهمت هذا الشبل شخصية تتحلّى بصرامة الصحراء، وجزالة النخلة، وصمود الغافة، ووثبة الجواد، وصبر النايفات، السامقات، الباسقات، المطرقات أتون الأرض، وشغاف الغيمة.
هناك تشعر أنك أمام رجل في سن الثامنة عشرة، تشعر أنك في وئام مع نفسك، طالما أنت في حضرة الشهم الذي يؤدي واجبه الوطني باقتدار، وجدارة، وروح لا تنثني، ولا تنحني، ولا تعرقلها هنة، ولا أنة.
الخدمة الوطنية مصنع الرجال، وموئل الأبطال، وسر الحب لوطن بنى حضارته على الحب، والتفاني من أجل العطاء.