تبدو مشاهد الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر القادم غير مسبوقة، ويخشى معها كثيرون أن تكون حجر عثرة تتحطم عليه وحدة الشعب والولايات.
لم تنفجر الخلافات العنصرية في العقود الأخيرة داخل أميركا مثلما انفجرت في الأشهر الماضية، الأمر الذي يترك أثراً على الاقتراع برسم العرق، وأكثر من ذلك التوجه الأيديولوجي، فقد بات اليسار فاعلاً بدرجة مخيفة لأنصار الرأسمالية والنيوليبرالية الاقتصادية، ما يعني أن هوة الخلافات بين الأميركيين تتعمق يوماً تلو الآخر.
أحد الأسئلة المثيرة لقلق أميركا كمؤسسات، وللشعب الأميركي كأفراد: «هل سيكون الرئيس ترامب ممثلاً لانقسام يكاد يصل إلى حد الاحتراب الأهلي بين الأميركيين أنفسهم؟
قبل الجواب ينبغي الإشارة إلى جزئية مهمة للغاية، وهي أن الانتخابات تجري في أجواء تفشي وباء لا يعلم أحد مداه أو منتهاه، وهل ستكون هناك موجة ثانية منه الأشهر القليلة القادمة في الداخل الأميركي، ما يعني أن يفضل غالبية الأميركيين الاقتراع عبر البريد، لا من خلال الانتظار في صفوف طويلة تقليدية.
ترامب يتحدث عن أمرين، كلاهما مزعج، الأول مسألة حتمية تأجيل الانتخابات بسبب الوباء، والثاني مرتبط بالأولى، وهو التشكيك في نزاهة الانتخابات والخوف من تزوير بطاقات الاقتراع البريدية، والتلاعب في العملية التصويتية، ما يفتح الباب واسعاً جداً أمام صدامات متوقعه بين أنصار ترامب، وبين «الديمقراطيين» وأشياعهم، ويعطل إعلان النتيجة، كما يدخل الدولة في دوامة من التحقيقات القضائية تعزز من تهتك النسيج المجتمعي.
وبالعودة إلى علامة الاستفهام المتقدمة، يجد المرء أن هناك تنظيمات جديدة تطفو على السطح، لا سيما تنظيم «كيو»، والذي يروج البعض بأن ترامب يقف خلفه، وأنه أعطى أكثر من إشارة خلال تصريحاته الأخيرة بأنه جاهز للاعتراض على نتيجة الانتخابات القادمة.
خطورة هذا التنظيم أنه يؤمن إلى درجة عميقة جداً بفكر المؤامرة، وجل أنصاره من أصحاب اليمين المغرق في التطرف، ويجزم أعضاؤه بأن الدولة الأميركية العميقة تقف وراء محاولات خطيرة لدفع ترامب خارج البيت الأبيض بأي طريق ممكن، لأن رؤاه تتقاطع وأهداف الحكام الحقيقيين المسيطرين على البلاد.
هذا التيار يجد في تصريحات ترامب الأخيرة الخاصة بتجسس أوباما وبايدن عليه في حملته الانتخابية 2016 الوقود اللازم لإشعال معركة قادمة لا محالة، وقد كتب ساكن البيت الأبيض تغريدة مثيرة للخلافات منذ بضعة أيام، قال فيها:«أخبار كبيرة، جريمة القرن السياسية تتكشف، أوباما وبايدن تجسسا بشكل غير مشروع على حملة ترامب، قبل وبعد الانتخابات. إنها خيانة. والسؤال: هل لدى الرئيس وفريقه الانتخابي معلومات جديدة يمكنها أن تغير أحوال وتبدل طباع المشهد الانتخابي الرئاسي القادم؟ قبل نحو شهر تقريباً كان المرشح «الديمقراطي» بايدن يتقدم ترامب، غير أن استطلاعاً أخيراً للرأي أجراه «معهد الديمقراطية» بتكليف من صحيفة «صنداي اكسبريس»، أظهر تفوق ترامب على بايدن بنسبة 48% مقابل 46%.
من المشاهد غير المسبوقة، هذا الدور المثير والخطير لوسائط التواصل الاجتماعي في تحديد نتيجة الفائز، عطفاً على ذلك المخاوف من تدخل قوى أجنبية من جديد في مسيرة التصويت، مثل روسيا وإيران والصين.
هل ستتجاوز أميركا الفخ من غير الوقوع في براثنه؟ إن غداً لناظره قريب.
*كاتب مصري