انفجار مرفأ بيروت، دفع لبنان بقوة إلى «عاصفة»الصراع الإقليمي والدولي«الجيوسياسي»، بدءاً من الاهتمام «إنسانياً» بتقديم المساعدات المالية والعينية والفنية، ومروراً بأهداف متفاوتة لتعزيز النفوذ السياسي للدول المتسابقة، ووصولاً إلى الحصول على حصص استثمارية، خصوصاً في إعادة إعمار المرفأ التي قدرت تكلفتها بنحو 7 مليارات دولار، واستثماره لمدة لا تقل عن 15 سنة. 
لقد تحول المرفأ منذ اللحظة الأولى للانفجار، إلى نقطة جذب لقوى إقليمية ودولية، نزل خبراؤها وفنيوها ميدانياً على الأرض للمساهمة في عمليات الإنقاذ والمشاركة في التحقيق الأمني. واللافت كان اقتسام المنطقة التي حصل فيها الانفجار بين فرنسا وروسيا، وربما يعود ذلك إلى الإمكانات التقنية، إذ يقوم نحو 46 من رجال الشرطة والدرك الفرنسي بتقديم الدعم الفني للتحقيق القضائي، ويشارك نحو 150 خبيراً روسياً متخصصاً في إزالة الأنقاض والبحث عن المفقودين، إضافة إلى فرق إنقاذ ومساعدات أميركية، بالتنسيق مع الجيش اللبناني، ودخول سفينة مسح تابعة للبحرية البريطانية لتقييم الأضرار ومساعدة اللبنانيين على ترميمها. 
لا شك في أن حسم مسألة الجهة التي ستتولى إعادة بناء المرفأ، سابق لأوانه، لكن المنافسة قائمة بين الدول التي ترغب بالحصول على امتياز إدارته واستثماره، وأهمها تركيا والصين وفرنسا، مع العلم أن الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون أعاد اللبنانيين في إطلالته مؤخراً من قصر الصنوبر في العاصمة اللبنانية، إلى عام 1920 حين أعلن الجنرال الفرنسي غورو تأسيس دولة لبنان الكبير، بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، حيث كانت شركة فرنسية تقوم باستثمار المرفأ.
وتبرز ميزات الاهتمام الإقليمي والدولي بمرفأ بيروت، كونه أهم موقع «استراتيجي» في المتوسط، ويشكل مركز التقاء للقارات الثلاث: أوروبا، آسيا، وأفريقيا، ما جعل منه ممراً لعبور أساطيل السفن التجارية بين الشرق والغرب، وأهم محطة للتجارة الدولية مع الدول العربية المحيطة، ويتعامل مع 300 مرفأ عالمي، وتعود نشأته تاريخياً إلى العهد الفينيقي.
وإذا كانت تركيا ترغب باستعادة التاريخ، عبر الاقتراح الذي قدمه نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي خلال زيارته لبنان بعيد الانفجار للمساهمة في إعادة البناء، فإن عين فرنسا بالمرصاد، وتعتبر أن لها الأفضلية في مرفأ بيروت الذي يمثل النقطة الوحيدة التي يمكن أن تحافظ من خلالها على نفوذ في شرق المتوسط، وهي تنافس بذلك الصين التي تسعى بكل إمكاناتها لأخذ حصة استثمارية، كجزء من مبادرة «الحزام والطريق» التي تهدف الى ربطها بالعالم، حتى روسيا ترحب بموطئ قدم أخرى على المتوسط، إضافة لوجودها في مرفأ طرطوس في سوريا، ولكن يبقى الأهم طموحات واشنطن التي وضعت شروطها لإعادة إعمار المرفأ، ليكون لها منفذ أساسي على المتوسط، ودور مميز في ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل.
*كاتب لبناني