بعد 77 عاماً من استقلال لبنان، وبعد نحو قرن على نشأة «لبنان الكبير»، عبّر بعض اللبنانيين عن رغبتهم في عودة الانتداب الفرنسي على لبنان، وذلك أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أثناء زيارته الأخيرة لبيروت، كرمزية للحال المتعثر في لبنان بعد حادثة تفجير الميناء، التي راح ضحيتها قرابة 160 وخلّفت أكثر من 6000 مصاب، وهدّمت الكثير من المباني، وشردت الآلاف، لتعلَن بيروت مدينةً منكوبةً، فتمتد بعدها جسور جوية من مختلف دول العالم بطائرات تحمل المساعدات الإنسانية والطبية والغذائية لهذه المدينة المنكوبة، ليس فقط بالانفجار، بل نكبتها الحقيقية بحكومة فقدت الثقة، وجعلت دول العالم تتحفظ في التعامل معها ليس سياسياً فحسب، بل حتى على تسليمها معونات مادية أو عينية لصالح الشعب المنكوب، وآثرت توزيع المساعدات يداً بيد!
تكمن معضلة لبنان في حكومته من ناحية، وفي «حزب الله» من ناحية أخرى، ولن ينتهي عبء لبنان في حال تلاشت إحدى معضلتيه، بل تتعين أيضاً إعادة هيكلة الحكومة كلياً، وتضييق الخناق على «حزب الله» وإعادته من حيث أتى، دون خوض غمار السياسة والمحاصصة بأي حال من الأحوال، وذلك لن يتحقق بالطبع، لا بانتداب فرنسي، ولا بتدخلات خارجية، بل بإرادة الشعب اللبناني وعزيمته على تحريك القوى السياسية من مقاعدها، وتقديمها للمحاكمات ومساءلات الفساد والنهب، وتعريض البلد للكوارث والتجويع والمآزق الاقتصادية والانهيارات في كامل بنيته التحتية.
عاش لبنان قرابة عقدين من الزمان ظروفاً قاسية، حيث رزح تحت حرب أهلية طاحنة ووضع أمني مريع، وانتهت باتفاق الطائف الشهير الذي دعا إليه الملك فهد بن عبدالعزيز، رحمه الله، في مدينة الطائف السعودية، في 30 سبتمبر 1989، وأُقِرت خلاله وثيقة الوفاق الوطني اللبناني، وأفضت إلى توافق الأطراف المتنازعة على مبدأ «التعايش المشترك» بين الطوائف اللبنانية المختلفة، وتمثيلها السياسي السليم، كهدف رئيسي للقوانين الانتخابية البرلمانية في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية. ونصت الوثيقة على إعادة هيكلة النظام السياسي للميثاق الوطني، وتأكيد السيادة اللبنانية على الجنوب المحتل من قبل إسرائيل، كذلك حددت إطاراً زمنياً للانسحاب السوري من لبنان في غضون عامين، وتمت مراقبة تنفيذ بنود الاتفاق في جدول زمني تحققت خلاله جل تلك البنود، وعاد الأمن والاستقرار نسبياً إلى لبنان، وبيروت بالأخص. لكن الواقع الجميل لم يستمر طويلاً بعد عدة تفجيرات واغتيالات، توجت بتفجير موكب الرئيس رفيق الحريري واغتياله عام 2005، وما تلا ذلك من انهيارات سياسية واقتصادية واجتماعية، وتدخلات خارجية، بعد هيمنة ميليشيا «حزب الله» على المشهد السياسي.
واليوم.. يأتي تفجير مرفأ بيروت كمؤشر مقلق لما سيؤول إليه لبنان من انهيارات أكبر، جراء تحويله إلى مسرح لجرائم أخرى، فلا أحد يعلم إلى الآن أسرار هذه الحادثة، وقد تكون حقيقتها أفظع بكثير مما نتخيله، أو تستوعبه عقولنا؛ في حال طرحت أمام محكمة دولية عادلة ونزيهة، أما إن طرحت تحت قضاء «الجناة»، فسلاماً على لبنان!
وختاماً، لن أزيد على كلمات أحد شعراء لبنان، عبّر عن شعبه الأبي المحب للأرض والحياة:
لبنان راح يرجع والحق ما بيموت
والشمس راح تطلع تزين سما بيروت
من هون ما بنفل، حصرم بعين الكل
بها الأرض راح نضَل لو بقي خمس بيوت!

*كاتبة سعودية