جاءت دعوة خدمات نقل الدم والأعضاء في مدينة ليستر البريطانية، أي بنك الدم، للأشخاص الذين أصيبوا بفيروس كورونا وشفوا منه، للتبرع بدمائهم واستخلاص البلازما منها، بغرض استخدامها لعلاج مرضى كوفيد-19.. لتسلّط الضوء مرة أخرى على هذا الأسلوب العلاجي، الذي لقي اهتماماً شديداً منذ شهر أبريل الماضي، ثم توارى من الساحة جزئياً.
وتعتمد فكرة هذا الأسلوب العلاجي، والمستخدم في عدة مجالات أخرى في الطب الحديث، على استخلاص البلازما، أي السائل الذي تسبح فيه كرات الدم الحمراء والبيضاء وغيرها من خلايا الدم، ثم استخلاص الأجسام المضادة من هذا السائل، واستخدامها في علاج مرض محدد، تلك الأجسام المضادة، وكما يدل اسمها، هي بروتينات خاصة يصنعها الجسم كأسلوب دفاعي عند التعرض للعدوى، حيث تلتصق تلك البروتينات بالجراثيم الغازية، وتؤدي إلى تعطيلها وشللها، إلى أن تتمكن باقي خلايا جهاز المناعة من القضاء عليها.
هذا الأسلوب المعروف ببلازما الناقهين (convalescent plasma)، أي بلازما مَن مرضوا وشفوا ودخلوا في مرحلة النقاهة، أثبت فعاليته بشكل كبير في علاج المصابين بفيروس الإيبولا، حيث نجا 7 من كل 8 مصابين تم علاجهم بهذا الأسلوب، وإن كان الاستخدام الأوسع والأكثر شيوعاً هو علاج مَن تعرضوا للدغات الأفاعي والعقارب وغيرها من الحيوانات السامة، حيث يتم حقن بعض الحيوانات -الخيول غالباً- بتركيزات مخففة من سم نوع محدد من الأفاعي، ثم حصد بلازما الحيوان، واستخلاص الأجسام المضادة التي تكونت ضد هذا السم، لتصنيع ترياق يُستخدَم لاحقاً في إنقاذ حياة مَن يتعرضون للدغات من نفس نوع الأفاعي.
وفي ظل حقيقة عدم وجود علاج مباشر لفيروس كورونا، حظي العلاج المعتمد على بلازما الناقهين باهتمام واضح منذ بداية الوباء الحالي، إلا أنه كان اهتماماً مشوباً بالحذر، حيث لم تكن تتوفر الدراسات والأبحاث الكافية حول مدى فعاليته، ودرجة أمنه وسلامته. لكن على ما يبدو أن هذا الاهتمام، عاد الآن في ظل دعوة بنك الدم في مدينة ليستر للناقهين من فيروس كورونا للتبرع بدمائهم، نتيجة ارتفاع ملحوظ خلال الأيام الأخيرة في عدد حالات الإصابة في هذه المدينة الواقعة بشرق وسط الجزيرة البريطانية، وبالفعل تقدم 200 شخص من الناقهين للتبرع، وبدأ استخدام دمائهم في علاج 15 مريضاً يعانون من مضاعفات شديدة بسبب فيروس كورونا، خصوصاً أولئك الذين عجزت أجهزتهم المناعية عن تفعيل رد مناعي قوي ضد الفيروس.
ويتمتع الذكور باهتمام خاص لدى بنك الدم البريطاني، حيث تشير الدراسات إلى أن الذكور أكثر عرضة من الإناث للإصابة بالمضاعفات الخطيرة لكوفيد-19، مما يجعل مستوى تركيز الأجسام المضادة في دمائهم أعلى مقارنةً بالإناث، فكلما ارتفع تركيز الأجسام المضادة، زادت فعاليتها في علاج المصابين.

*كاتب متخصص في القضايا الصحية والعلمية