الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

محبة الحكمة.. محبة الحياة

محبة الحكمة.. محبة الحياة
13 أغسطس 2020 01:28

كلمة فلسفة، تعني في اللغة اليونانية محبة الحكمة، أمّا في الجانب الاصطلاحي فهي مُحاولة فهم الحقائق الأساسية المُتعلقة بالعالم، والأشخاص الذين يعيشون فيه، والعلاقات التي تربطهم معاً ومع عالمهم، ولذلك فإن دراسة الفلسفة ليست ترفاً، وإنما تعد ضرورة، فهي، تجعل الإنسان مثقلاً بالأسئلة ولكي يجيب عنها يقوم بشحذ كل إمكاناته العقلية، وهذا ما يجعل تدريسها لطلاب الثانوية ضرورة ملحة؛ لأنها تمكنهم من اكتساب مهارات لا حدود لها، سنتطرق لبعضها في هذا المقال.

وما يميز مجالات الفلسفة المختلفة، الأسئلة التي تطرحها. ومن هذه الأسئلة: هل تصف حواسنا الحقيقة بدقة؟ ما الذي يجعل الأفعال الخاطئة خاطئة؟ كيف نعيش؟ هذه أسئلة فلسفية، وما تقوم به الفلسفة، أنها تعلمنا الطرق التي قد نبدأ من خلالها الإجابة عنها.
يعتبر إدراج مادة الفلسفة لطلاب الإعدادية أو الثانوية، ضمن المناهج الدراسية، من أصوب الاختيارات، فهذه المادة، تمكن الطلاب من اكتساب وتعلم مهارات عديدة، كما يتجهون نحو امتلاك ثراء فكري ومعرفي يعزز قدرتهم على الحجاج والبرهنة والاستنباط والاستقراء، ويتعلمون طرق طرح الأسئلة وطرق الإجابة عنها، كما يتمكنون من فهم المشكلات الصعبة وحلها، وتساعدهم دراسة الفلسفة أيضاً، على فهم التخصصات الأخرى، فتعمق عملية التعلم لديهم، وتعمل على تطوير حياتهم المهنية والشخصية بعد ذلك.
كما أن الطالب الذي يدرس مادة الفلسفة، يطور العديد من المهارات، والتي تعد ضرورية لتعزيز قدراته على حل المشاكل وعلى الاتصال وامتلاك ملكة الإقناع، فمثلاً نجد، مهارة الاتصال، حيث تساهم الفلسفة في تطوير القوى التعبيرية والتواصلية لدى دارس الفلسفة، لأنها تمكنه من بعض الأدوات الأساسية للتعبير عن الذات، على سبيل المثال، وأيضاً تقديم أفكاره من خلال الحجج المنظمة والتي لا تستخدمها المجالات الأخرى، أو تستخدمها في نطاق ضيق، وتساعد الفلسفة أيضاً على تعبير الطلاب عن ما هو مميز في آرائهم، وتعزز لديهم القدرة على حل المواد الصعبة، وتساعدهم على التخلص من الغموض في التعبير، والقدرة على توصيل أفكارهم للآخرين بكل سلاسة وسهولة. 
 
حل المشكلات
يقوم الطلاب أيضاً من خلال دراستهم للفلسفة بتطوير مهارة حل المشكلات، حيث تعزز دراسة الفلسفة لدى الطالب، القدرة على حل المشكلات التي تعترضه، من خلال قدرته على تحليل المفاهيم والحجج والمشاكل، والقدرة على تنظيم أفكاره وغربلة المعلومات واختيار الصالح منها ونبذ الطالح، وأيضاً التمييز بين الفروق الدقيقة بين وجهات النظر، ومن ناحية أخرى، القدرة على اكتشاف الأرضية المشتركة بين المواقف المتعارضة، كما تساعده على تجميع مجموعة متنوعة من وجهات النظر في وحدة واحدة.
ومن المهارات المهمة أيضاً التي يطورها طلاب الفلسفة، مهارة الإقناع، ومن إيجابيات هذه المهارة، أنها تساعد على بناء الصيغ الواضحة، والحجج المقنعة، والأمثلة المناسبة، كما تُعلم كيفية بناء وجهات النظر وتثمينها والدفاع عنها، وتمكن من تقدير المواقف المتنافسة، كما يستطيع من خلالها الطالب، التوضيح بقوة لما يعتبره وجهة نظره الخاصة، ويمكن تطوير هذه القدرات ليس فقط من خلال قراءة الفلسفة، ولكن أيضاً من خلال الحوار الفلسفي، داخل الفصل الدراسي وخارجه على حد سواء.
ومن المهارات المهمة أيضاً التي يكتسبها طلاب الفلسفة، مهارة التفكير النقدي، ويعد النقد نقطة التقاء الفلسفة بالعلم حسب كارل بوبر، وقد احتفى الدارسون بهذه المهارة وخصوها بالكثير من دراساتهم، ‬ويؤكد الباحث أحمد يوسف على أهمية التفكير النقدي في الفلسفة بقوله:‭» ‬إن حضور‭ ‬التفكير‭ ‬النقدي‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬حَصَانة‭ ‬للإنسان،‭  ‬وانتصار‭ ‬للقيم‭ ‬الإنسانية، ‭ ‬وفضيلة‭ ‬التقدم‭ ‬والمساواة‭ ‬والعيش‭ ‬في‭ ‬سلام، ‭ ‬وضمان‭ ‬للعدالة‭ ‬العقلانية‭ ‬وشرط‭ ‬الحرية... ومُساعدتنا‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬المسائل‭ ‬التي‭ ‬تحيرنا، ‭ ‬وحل‭ ‬المشكلات‭ ‬التي‭ ‬تعترض‭ ‬تقدُّمنا، ‭ ‬ودفع‭ ‬عقولنا‭ ‬للابتكار، ‭ ‬وخيالنا‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬الخلق‭ ‬والإبداع، ‭ ‬ومقاومة‭ ‬كلِّ‭ ‬أشكال‭ ‬الاغتراب‭ ‬والاستلاب، ‭ ‬والاعتقاد‭ ‬بلا‭ ‬انتقاد، ‭ ‬والتحيز‭ ‬إلى‭ ‬قيم‭ ‬الحرية‭ ‬والتسامح‭ ‬والسلم‭.‬ وهذا‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يَجْعل‭ ‬الإنسان‭ ‬مِلكا‭ ً‬لغيره، ‭ ‬ولا‭ ‬يكُون‭ ‬مسلوبَ‭ ‬الإرادة».
وبذلك يكون للتفكير النقدي الذي يكتسبه الطلاب من خلال دراستهم للفلسفة، العديد من الإيجابيات، فهذا النوع من التفكير، يجعلهم قادرين على التحرر من الاستلاب، فيتمكنون من امتلاك إرادة حرة، تمكنهم من عدم الخضوع بسهولة لثقافة الاستهلاك وللإيديولوجيات السائدة، ويمتلكون القدرة على الاختيارات الإيجابية، وبذلك تكون دراسة الفلسفة السبيل الأمثل، لتطوير الحياة على المستوى الشخصي والعلي.

الفلسفة تطور الحياة 
من خلال دراسة الفلسفة يستطيع الإنسان أن يطور حياته، خاصة لما يوظف المهارات التي طورها، في حياته العملية أو حياته الخاصة، ولتأكيد هذا الطرح، قامت الجمعية الأميركية للفلسفة بإعداد دليل ضمنته آراء بعض الأشخاص من مختلف التخصصات ويمارسون مهناً مختلفة، ولكن ما يوحدهم أنهم درسوا الفلسفة، وقد طُرح عليهم سؤال واحد وهو: «ماذا استفدت من دراستك لمادة الفلسفة».
أحد مشاة البحرية الأميركية كان جوابه على السؤال كالتالي: «زودتني الفلسفة بالأدوات التحليلية اللازمة لفهم مجموعة متنوعة من المشكلات غير التقليدية التي تميز البيئة الأمنية».
أما أحد الفنانين التشكيليين، فقال: «علمتني الفلسفة التفكير النقدي الدقيق، وهي مهارة لا تقدر بثمن عند إنشاء عمل فني».
وأحد المحامين أعاد الفضل للفلسفة في توجهه للتخصص الذي يحب بقوله: «علمتني الفلسفة أن أفكر بشكل نقدي، وكان اختياري للتخصص المثالي بكلية الحقوق دليلاً على ذلك، لأنه منحني بداية ممتازة لما توجهت لكلية الحقوق، وبعد ذلك لحياتي المهنية».
وبذلك يعد تدريس مادة الفلسفة للطلاب بالمدارس الثانوية، فرصة لهم، لتطوير شخصياتهم وبناء إراداتهم الحرة، وبالتالي بناء أوطانهم في المستقبل.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©