في عالمنا العربي اليوم عدة مناطق تعاني حالة انهيار أمني واقتصادي ومجتمعي، غير مسبوق تاريخياً من حيث ضخامة الأحداث وحجم الضحايا، ونوعية الأسلحة المدمرة، ولئن كان سقوط بغداد بيد هولاكو عام 1258 أول فاجعة كبرى هددت بلاد العرب والمسلمين، وعرضتهم لإبادة جماعية ولانهيار حضورهم السياسي والثقافي، وفتحت الطريق للغزو المغولي لبلاد الشام، متزامناً مع الحملات الصليبية المتتالية، فإن سقوط بغداد الثاني عام 2003 فتح الطريق لسلسلة انهيارات في العديد من البلدان العربية التي لم تتمكن أنظمتها السياسية من تجنب الحرائق حولها، فاشتعلت فيها اضطرابات الغضب.
ويبدو أن الأمة العربية على اتساع جغرافيتها وأهمية موقعها، وضخامة ثرواتها، وكفاءة نخبها، وحيوية شعوبها باتت مهددة بانهيار شامل وخروج من التاريخ، قد لاتنجو منه إلا دول معدودة تمكنت من تطوير مجتمعاتها وتحقيق تنمية مستدامة، عبر اقتصاد متين، واهتمام جاد بالصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية، مع حماية استقلال القضاء والحرص على المساواة أمام العدالة، وبناء علاقات دولية متوازنة.. وما كان أيسر على الأنظمة العربية كلها أن تفعل ذلك، لكن طبيعة الاستبداد في الدول التي انهارت طغت على الحكمة، وأعمت أعين المستبدين عن رؤية الخطر المحيط بهم، وأخذتهم العزة بالإثم وبالقوة التي لم يستخدموها إلا ضد شعوبهم.
والسؤال اليوم من ينقذ أمة العرب التي سبق لها أن انهارت بعد سقوط بغداد الأول، فكان من آثار هذا السقوط غياب العرب قروناً عن السيادة، ورضوخهم لأمم نهضت وفرضت سيادتها عليهم، حيث تقاسم تركة العرب مواليهم من شتى الأعراق التي كانت تحت السيادة العربية، وظهرت حالة تكاد تكون فريدة في تاريخ الشعوب، وهي ظهور دول المماليك، وبعض من قادوا الأمة حين غاب العرب كانوا خدماً أو رقيقاً وجدوا سيدهم ضعيفاً مشلولاً فحملوا راية الحكم، وبعضهم ظهروا مخلصين أشداء، دافعوا عن الإسلام، ولا ننكر لهم مروءتهم وإخلاصهم، مثل قطز والظاهر بيبرس الذي بنى إمبراطورية كبرى. ولم يتمكن العرب من النهوض، فحين انهارت دولة المماليك ظهرت دولة العثمانيين الذين حكموا العرب وشعوباً أخرى نحو ستة قرون، وحين ضعفت الدولة العثمانية حاول العرب النهوض، لكن الغرب سارع لمنعهم، فاحتل مصر وهي قلب الأمة العربية، واحتل الشمال العربي الأفريقي وتوالت الاحتلالات حتى كادت تشمل العالم العربي كله. ومع بداية حركات الاستقلال وقعت نكبة فلسطين الكبرى التي عجزت الأمة عن معالجتها وما تزال عاجزة، وظهرت الأنظمة العسكريتارية التي أغراها الاستبداد، حتى انفجرت الشعوب، ووقعت كوارث مستجدة، أوصلتنا إلى هذا الحال المريع من تفتت المنظومة العربية، ومن الضعف أمام الإرادات الدولية المتصارعة.
ونحن ندرك أن الدول العربية المستقرة، باتت تتحمل حتى فوق طاقتها في مسؤولية النهوض بالأمة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وننتظر أن تنهض مصر بدور ريادي، وأن نجد حلولاً سلمية وسياسية لكل الصراعات الراهنة، وأخطرها اليوم القضية السورية الدامية، والقضية اللبنانية المستجدة، وبقية القضايا المشتعلة في العالم العربي. 
ولئن كنا نشكر فرنسا لاهتمامها بمساعدة لبنان، ونتطلع إلى دور أميركي جاد لإيجاد حل في سوريا، وننتظر من روسيا أن تراجع سياساتها في سوريا، فإن أنظارنا ستبقى مشدودة نحو أشقائنا العرب، حيث المصلحة المشتركة الكبرى، وحيث أمن المنطقة كلها، ولن نقبل الاستسلام للانهيار، ولن ننتظر دول العالم أن تحل لنا مشكلاتنا ونحن غائبون، فلابد من مقاومة الانهيار، وحتى لو خرج أحدنا من عروبته في حالة نزق أو غضب، فإنه لن يجد هوية خارج أمته.