الانفجار الضخم الذي هز العاصمة اللبنانية بيروت الأسبوع الماضي وخلف أكثر من 150 ضحية وما يزيد على خمسة آلاف مصاب، وشبهه كثيرون بالقنبلة الذرية على مدينة هيروشيما، في إشارة إلى قوته التدميرية البالغة التي طالت المنشآت كافة داخل مرفأ بيروت والمباني المحيطة به، يثير تساؤلات جوهرية حول خطر الميليشيات المسلحة والطائفية التي تدين بالولاء لأطراف خارجية، وتتجاوز سلطة الدولة المركزية، وتسعى إلى فرض رؤيتها على مؤسساتها، حتى لو كانت تشكل تهديداً للأمن والاستقرار فيها. 
كشفت الكارثة بشكل أو بآخر عن دور ما لـ«حزب الله» فيها، ليس فقط لأنه يسيطر على مرفأ بيروت، وكان على علم مسبق بتخزين آلاف الأطنان من مادة نترات الأمونيوم شديدة الانفجار فيه، ولم يتخذ أية إجراءات تتعلق بسلامة تخزينها بعد الانفجار الذي حدث عام 2014 في أحد عنابر المرفأ، وإنما أيضاً لأن العديد من عناصر الحزب تم اعتقالهم بتهمة الاتجار وتهريب هذه المادة المتفجرة، بل واستخدامها في العديد من العمليات الإرهابية، ولعل هذا يفسر معارضة الحزب إجراء تحقيق دولي في هذا الانفجار، حتى لا يتم تحميله بشكل أو بآخر مسؤولية التسبب في هذه الكارثة. 
هذا الانفجار الكارثي وغير المسبوق، وبغض النظر عما ستؤول إليه التحقيقات الداخلية الجارية بشأنه، يمثل جرس إنذار بطبيعة الخطر الذي تشكله الميليشيات المسلحة في المنطقة، والتي تتصرف بمعزل عن الدولة، وتسعى إلى الانفراد بقرارها السياسي والعسكري، وتوريطها في ممارسات تزعزع أمنها واستقرارها، بل إن تحذيرات عديدة صدرت خلال الأيام الماضية من احتمال تكرار انفجار بيروت في مناطق أخرى تشهد نفوذاً واسعاً لهذه الميليشيات، ففي اليمن تضاعفت المخاوف من حدوث كارثة مماثلة في ميناء رأس عيسى على البحر الأحمر والخاضع لسيطرة مليشيات «الحوثي»، لوجود نحو 1.2 مليون برميل من النفط على ناقلة (صافر) مهددة بالانفجار ترسو في الميناء، ومن ثم التسبب في كارثة بيئية لدول المنطقة، هذا في الوقت الذي ترفض فيه هذه الميليشيات السماح للأمم المتحدة بتفريغ حمولة هذه الناقلة، في دلالة واضحة على أنها توظف هذه «القنبلة الموقوتة» كأحد أوراق الضغط والمساومة السياسية، دون أي اكتراث بالمخاطر المترتبة عليها، سواء على أرواح المدنيين أو البنية التحتية والاقتصاد والبيئة في اليمن أو في دول الجوار. وفي العراق أيضاً، تصاعدت المخاوف خلال الأيام الماضية من احتمال تكرار انفجار بيروت في بعض المناطق التي تشهد نفوذاً واسعاً للميليشيات المسلحة، والتي تمتلك العديد من مخازن الأسلحة المنتشرة داخل مناطق سكنية في بغداد ومدن عراقية مختلفة، تفتقر أيضاً عملية تخزينها إلى معايير الأمن والسلامة، ما يجعلها معرضة للانفجار كما حدث في سنوات سابقة، وخلفت وراءها أضراراً بشرية ومادية فادحة. 
في الوقت الذي تشكل فيه الميليشيات المسلحة تهديداً بالغ الخطورة على الأمن والاستقرار الإقليمي، باعتبارها أشبه بـ«دولة موازية» تتحدى سلطة الدولة المركزية، وتتجاوزها وتعمل على تنفيذ أجندات الدول الإقليمية الداعمة لها، فإنها تعد أيضاً نموذجاً للانتهازية السياسية التي توظف كل أوراق الضغط والمساومة المتاحة أمامها، حتى لو كانت على حساب أرواح البشر وحقهم في الأمن والاستقرار، فميليشيات «الحوثي»، وميليشيات «الحشد الشعبي»، لا تختلف عن «حزب الله» الذي يرفض إجراء تحقيق دولي حول انفجار بيروت الأخير، خشية تحميله مسؤوليته أو إدانته سياسياً، ولهذا فإن هذه الميليشيات تعد المسؤولة عن استمرار الأزمات والنزاعات، التي تشهدها المنطقة، وعرقلة أية جهود حقيقية لتسويتها، لأنها ترتهن في قراراتها لأطراف خارجية، تريد أن تظل دول المنطقة في حالة دائمة من الفوضى وعدم الاستقرار على أمل تنفيذ مخططاتها ومشروعاتها وأطماعها في المنطقة. 
لقد آن الأوان أن يتحرك المجتمع الدولي للتصدي لهذه الميليشيات المسلحة التي تقف- هي ومن يدعمها- وراء حالة الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة، في تحد سافر للقانون الدولي الإنساني ومواثيق الأمم المتحدة، خاصة أن الممارسات العدائية لهذه الميليشيات، لا تقتصر فقط على الدول التي توجد بها، وإنما تمتد لتشمل الدول الأخرى، سواء من خلال التورط في صراعات ونزاعات المنطقة، أو استهداف المدنيين وترويعهم، أو في تهديد حركة الملاحة في الممرات المائية الدولية المهمة، ولهذا فإن الحاجة باتت ماسة إلى وقفة دولية جادة مع هذه الميليشيات المسلحة ومحاسبتها على ما ترتكبه من جرائم وممارسات تستنزف من خلالها قدرات دولها، وتصادر حق شعوبها في الأمن والتنمية والاستقرار، وذلك حتى لا تتكرر «هيروشيما» بيروت في مناطق أخرى.