إذا لم يخرج لبنان من حصيلة ذلك التفجير نحو خلاص أبدي ونهائي من ملفات الفساد ومنظومته المتشعبة فلن يخرج أبداً، مثل طائر الفينيق، من رماد انبعاثه، فليس مثل لبنان بلد، يغفو في سبحانية تسيير الأمور، معتمداً على ما تجري به سحب الغيم، ووفق ناموس حسابات وسّع علينا إذا ما ضيّق الناس، هكذا هو لبنان دائماً في مهب الريح، وكأن الحرب الأهلية راحت سدى، فيه يمكن للوزارة أن تظل بلا وزير سنة بفصولها الأربعة، ولا تتعطل مصلحة، لأنها في الأساس معطلة، ولا يُتطلب من الوزير أي إنتاجية إلا أن تكون خاصة به وبعائلته وطائفته، وهذا ديدنه منذ أن يحلف يمين التوزير، ليلحقه بسنن التزوير، لبنان يمكن أن يكون بلا رئيس مجلس وزراء لحقبة من الزمن، فلا يشعر الناس بالفرق، وترى البلد مثل الفل، ولا أحد يتذمر من أحد، ولا أحد يشكو من شيء، لأنها به وبدونه ماشية، المهم أن يفكّ البلد من بلائه، ولا يقترب من خبز الناس، ورزقهم اليومي، وكذلك إن غاب مجلس النواب أو غاب رئيس مجلس النواب، وإن كان هذا من المحال في وقتنا المنظور؛ لأنه بغياب «الاستاز، يمكن.. يمكن تخرب البلد ها..»، لذا الأستاذ باق.. باق؛ لأنه ثقل القبان وكتلة الميزان، تستقيل كتلة التيار الوطني، تركز خيامها، تهاجر جماعة المستقبل، خلاف في الكتائب، جماعة حسن نصر الله صامدون حتى «تحرير» القدس عن طريق طهران، الشباب نفسه الذي كان ينادي بصمود الجنوب وخط المقاومة أعلنوا ولاءهم في عز جروح الوطن، والجثث لم تلملم بعد، والأشلاء لم تجمع بعد، وأنهم بلا وطن غير وطن المرجعية، وأرض المرجع المقدسة «قم»، وخلاص.. انتهت الحكاية!
البلد سائر، صحيح لا يدرون، لكنه سائر، وسائر للهاوية، لبنان لو خلا من منصب رئيس الجمهورية فلن يزعل أحد، ولن يتوجع أحد، ولن يتذكر أحد غيابه؛ لأن لبنان كله غائب وشاغر، ولا ندري إلى متى ستظل هذه «الفنتازيا» تلعب بلبنان وأهله ومنجزاته وتاريخه ومكتسباته؟! 
في ظل هذه الفنتازيا الوطنية اللبنانية.. ماذا لو طلب لبنان رسمياً من الرئيس الفرنسي «ماكرون» أن يصبح رئيس الجمهورية اللبنانية، بالإضافة لعمله رئيساً لفرنسا الأم؟! منصب رئيس الجمهورية «فارغ»، وسيفرغ عن قريب، وسيعود «عون» مواطناً فرنسياً عادياً، مع امتيازات شخصية، نتيجة كفاحه السابق في شبابه وعز عنفوانه وثورته.
 على الرئيس الفرنسي سيتفق الجميع، خاصة أن الجماعة لن يتفقوا على رأي في القريب العاجل، ثم لا أدري أيضاً لماذا لا يستورد لبنان رئيساً لبنانياً مهاجراً، من أميركا اللاتينية، خاصة أن اللبنانيين المهاجرين أصبحوا رؤساء ووزراء ورؤساء وزراء خارج وطنهم الأم؟! وقد كان لي اقتراح سابق، حين أصبح الرئيس البرازيلي من أصول لبنانية، وبما أن البرازيل فيها من اللبنانيين أكثر من لبنان، فلماذا لا يُفتح البلدان على بعضهما، بحيث يكون الرئيس رئيساً للبرازيل وحاكماً لجمهورية لبنان؟! وبالتالي يكون الأمر مثل ما يقول المثل الخليجي: «دِهنّا في مكبّتنا» أو المثل المصري أو الشامي: «زيتنا في دقيقنا»!
نريد أي شيء لحل معضلة لبنان، حتى ولو كان من الأمور الفنتازية، فلا يعقل أن يكون هذا البلد الجميل رهين عقليات فاسدة، وعقليات جاهلة، وعقليات تشطر الولاء للبنان، وتعلنها في الضحى الواضح، دون أن يخونهم أحد في زمن الرماد هذا!