خلف سيناريو «أبطال كورونا» تظل قضية مخلفات كورونا قابعة بين كواليس القضايا البيئية الملحة، والهامة للوقوف عليها؛ إذ كيف للإنسان أن يدخل رأسه داخل ظرف بلاستيكي، بدلاً من إقحام ذلك الرأس في بيئة مجددة غنية الأوكسجين، وهذا الوصف الدقيق لما سيؤول إليه الأمر عند إهمال تأثيرات الاستخدام المفرط للمنتجات الطبية ومعدات الوقاية من العدوى، من الكمامات والقفازات ومواد التعقيم، خلال أزمة «COVID 19». وعلى سبيل المثال لا الحصر، ارتفعت كمية النفايات الطبية، لخمسة أضعاف في مدينة ووهان لتقفز من 40 طناً مترياً في اليوم قبل تفشي جائحة كورونا، إلى ما يقارب 247 طناً يومياً، وبلغت الكمية الإجمالية للنفايات الطبية، بشكل عام، في مقاطعة «هوبي» الصينية، حتى 24 فبراير 2020، نحو 365 طناً، في حين كانت كمية النفايات الطبية في المقاطعة ذاتها عام 2018 بأكمله نحو 17 ألف طن! 
هذا التحدي يضع العالم تحت وطأة الضغط والمسؤولية الكبيرة تجاه هذا الكم الهائل من مخلفات لا تشبه في التعامل معها المخلفات المعتادة، مُشكّلةً مصدراً خطيراً لانتقال العدوى، ما لم يتم التعامل معها وفق معايير خاصة، وأيضاً مصدر تهديد للبيئة على كافة الاحتمالات، وإذا تم إدراك هذه الزاوية وحدها، سيخلص الإنسان لضرورة إحلال عقد «العدالة الجديدة»، الذي يعتبر هو نفسه المستفيد، كيفما اختلفت أطراف معادلتها. 
لقد باتت الإجراءات التقليدية غير فعالة في إنعاش ما أفسدته الجائحة، وبخاصة في ظل تداخل مصالح القطاعات، مما يستدعي تحولاً عميقاً منهجياً أكثر استدامة وتوازناً. فلا بد من التمعن في الإجراءات الحقيقية الفاعلة في هذه القضية، والإصغاء للدعوات ذات التأثير الملموس، مثل المطالبات المتصاعدة في الغرب، من قبل مجموعة من النواب والوزراء، وممثلي الهيئات الخاصة، للمطالبة بالإعداد لخطط عمل صديقة للبيئة، تكون تحضيرية لمرحلة ما بعد أزمة كورونا، مما ينقذ العالم من الوقوع مجدداً في بوتقة المؤتمرات والشعارات البراقة دون جدوى، أو صراع المواجهة مع طريق مسدود. 

ممكن اعتبار ما وصل إليه العالم، خلال وبعد جائحة كورونا، بداية إيجابية، لمواصلة نجاح مستدام، ولكنه لا يعتبر تغيراً حقيقياً. وحري بنا التمعن بتنبيه رئيس اللجنة العليا لمؤسسة زايد الدولية للبيئة الدكتور محمد أحمد بن فهد: «في حال لم يتم تطوير العمليات الصناعية المستقبلية بما يراعي صحة ومصلحة الكوكب وسلامة الإنسان، وبما يحد من تفاقم الأذى البشري للبيئة، فمن المرجح أن ترتفع الانبعاثات إلى المستويات السابقة عندما ينتعش النشاط الاقتصادي، ويصبح هذا التغير المأمول مجرد مشهد عابر وقصير»، مما يعني ضرورة الإسراع في تدارك هذه الأزمة، بعيداً عن نشوة النصر «المؤقتة».

لم تكن يوماً القضايا البيئية أقل أهمية من القضايا الإنسانية الملحة الأخرى، ذلك أن إنقاذ التوازن البيئي، يعني الحفاظ على مرتكزات الأمن الإنساني ككل، والذي يعتمد على محاور أساسية، لا غنى عن إحداها، وهي: الأمن الغذائي، الذي يوفر للإنسان الحد الأدنى من الغذاء والوصول لمصادره، من قلب الطبيعة، والأمن الصحي، الذي تصب صحة وسلامة البيئة مباشرةً في نواته، والأمن الاقتصادي، المحدد باستمرارية صون النظام البيئي، والأمن البيئي ذاته، الذي يكفل العيش ضمن محيط آمن ونظيف، بعيداً عن التسبب في مضاعفة أثر الكوارث أو المخاطر البيئية، وأخيراً الأمن المجتمعي، الذي يتنافى معه وجود أي من التهديدات على الحياة الاجتماعية. 
يقول المحدث المغربي الإمام أحمد بن الصديق الغماري: «تنبني أحكام الشريعة كلها على مراعاة المصالح، وتدور معها كيفما دارت، كما يعرف ذلك من تتبعه وأمعن النظر فيه»، وبناء عليه، فإن كل ما يؤدي إلى مفسدة من إخلال في التوازن الطبيعي، فهو منهي عنه شرعاً، وما يجلب مصلحة من الحفاظ على البيئة، فهو مأمور به، حفاظاً على النفس البشرية.