لم يكن لدول الخليج العربية شأنٌ في أسلمة الخميني للدولة الإيرانية قبل أربعة عقود، فقد كان هذا شأناً داخليا يخصّ الشعب الإيراني والزعيم الديني الذي هلّل قطاعٌ عريض منهم بقدومه وتنصيبه مرشداً عليهم. 
وبدأت دول الخليج العربية تتوجس من النظام الجديد في طهران في اللحظة التي كشف عن نواياه بتصدير ثورته إلى جيرانه، تمهيداً لبسط نفوذه، والتوسّع خارج حدوده، وإعلان قائده «زعيماً» للأمة الإسلامية بأسرها، وذلك تحت شعارات براقة، ومن خلال جماعات مؤيدة له، خصوصاً في البحرين والكويت. 
وعلى الرغم من وضوح موقف الدول الخليجية آنذاك، وحقها المشروع في الدفاع عن أمنها واستقرارها، فقد حاولت الأبواق المعادية أوالأصوات المضللة التشويش على هذا الموقف وتصويره كأنه ارتهان لمطالب أميركية، ومعاداة بالوكالة، ومن دون أسباب جدية حقيقية، الأمر الذي ثبت مع الأيام أنه غير صحيح. 
ولا يختلف موقف الدول العربية اليوم المستشعر للخطر من خطوات أسلمة الدولة التركية التي يقوم بها أردوغان وحزبه. فكما لم يكن للدول العربية شأنٌ في عَلمنة تركيا، فلا شأنٌ لها في أسلمة تركيا وتحويلها إلى دولة فاشلة، فهذا خيار الأتراك ومصيرهم وحدهم ومستقبل أولادهم. 
وهذا الموقف العربي المحايد أمام ما يحدث في داخل تركيا، يتغير، ولا بد أن يتغير، في اللحظة التي يضع فيها أردوغان قدمه خارج حدود بلاده، وهو الأمر الذي يقوم به بالفعل في سوريا والعراق وليبيا عبر التدخل العسكري المباشر أو عبر تجنيد المرتزقة والإرهابيين، ناهيكم عن احتلال أجزاء من هذه الدول، فضلاً عن حشر أنفه في الشؤون الداخلية لدول عربية أخرى، والعمل على تهديد أمنها واستقرارها، سعياً منه لإعادة أمجاد دولة الاحتلال العثماني الغاشم، وتنصيب نفسه زعيماً على العرب والمسلمين، بالشعارات البراقة الكاذبة إياها، ومن خلال جماعات الإسلام السياسي، وعلى رأسها تنظيم «الإخوان». 
ويطبّل ويزمر ذيول أردوغان وأتباعه من المتأسلمين للسياسات والقرارات والتصريحات الأردوغانية الداخلية التي تصب كلها في صالح مشروع التخلص من الأتاتوركية وإحلال الإسلامية مكانها. ويروّج هؤلاء الذيول والأتباع والأبواق والدجالين زوراً وبهتاناً أن الموقف العربي من النظام التركي نابع من رفض للمشروع الإسلاموي المحلي، لكن في الحقيقة الأمر يتعلق برفض التدخل التركي في البلاد العربية عبر المشروع الإسلاموي الأممي، وشتان بين الأمرين. 
أقصى ما قد يبدر من العرب تجاه الخطوات الحثيثة التي يقوم بها أردوغان نحو تغيير الهوية التركية هو التعليق على هذا الأمر في وسائل الإعلام، مقالة تحليلية هنا، ومداخلة تلفزيونية هناك حول التطورات الداخلية في تركيا. أما محاولة تغيير المنطقة، فلا يواجه بالكلام وإنما بالأفعال. 
وكلنا نتذكر مستوى العلاقات الخليجية التركية كيف كانت، وهي العلاقات التي مرت بمراحل وبلغت حد الانتعاش إلى ما قبل احتجاجات «الربيع العربي»، إذ كشفت تركيا الأردوغانية حينئذٍ عن وجهها العثماني الاستعماري القبيح، وتبين أن الرجل يعيش في أوهام الماضي فعلاً، وما لبثت أن تراجعت علاقات تركيا مع محيطها القريب والبعيد بسبب السياسات العدائية نحو الجميع. 

*كاتب إماراتي