التقى مفاوضون روس وأميركيون في فيينا الأسبوع الماضي من أجل مناقشة خطر ما فتئ يزداد إلحاحاً في السنوات الأخيرة، ألا وهو سبل كبح عسكرة الفضاء. 
وهناك الكثير المطروح للنقاش. فالأسبوع الماضي، اتهمت قوة الفضاء الأميركية روسيا بنشر «سلاح مقذوف» في المدار القريب من الأرض بالقرب من قمر اصطناعي تجسسي أميركي. ومع أنه لم يدمر أي شيء، إلا أن الولايات المتحدة تشتكي منذ أكثر من عام من استخدام روسيا لنوع جديد من الأقمار الاصطناعية قادر على التحرك والمناورة و«يضطلع بالتفتيش»، ويمكن استخدامه للتجسس على الأقمار الاصطناعية الأميركية كما يمكن استخدامه كسلاح. 
ومن جانبهم، يحاجج الروس بأن الولايات المتحدة طوّرت أسلحة متطورة تنطلق من الأرض قادرة على مهاجمة شبكة الأقمار الاصطناعية الخاصة بخصم أثناء الحروب. ومن الواضح أن الجانبين متفقان على أن الوقت قد حان للجلوس وبدء حوار حول الموضوع على الأقل. 
وفي هذا السياق، يقول فلاديمير دفوركين، الخبير في مركز الأمن الدولي بـ«آيميمو»، وهي مؤسسة بحثية روسية كبيرة تابعة للأكاديمية الروسية للعلوم: «إذا بدأت عملية تحويل الفضاء لسلاح، فإنها يمكن أن تؤدي إلى سباق تسلح جد باهظ ومزعزع للاستقرار»، مضيفاً «في الوقت الراهن ليست هناك قوانين تحظر استخدام أسلحة تقليدية في المدار حول الأرض، سواء النوع الذي يمكن أن يضرب أشياء أخرى في الفضاء أو النوع الذي يستطيع ضرب الأرض. ولهذا، فإننا في حاجة حقاً للجلوس والتوصل لاتفاق». 
الاتفاقية الدولية الرئيسية التي تحكم عسكرة الفضاء، «معاهدة الفضاء الخارجي»، وُقعت في بداية عصر الفضاء في 1967. وهي تحظر وضع أسلحة دمار شامل في مدار الأرض، ولكنها لا تفعل شيئاً للحد من الكم الهائل من التكنولوجيات العسكرية وثنائية الأغراض التي تكاثرت منذ ذلك الحين أو التي توجد قيد التطوير. وتشمل الأقمارَ الاصطناعية التجسسية، ومنصات الحرب الإلكترونية، وتحديد المواقع، وأنظمة الاستهداف، والصواريخ الاعتراضية، وأسلحة الليزر. 
وتتهم الولايات المتحدة روسيا بنشر نوع جديد من المركبات قادر على التحرك بسرعة باستخدام قوته الذاتية، بغرض التجسس على أقمار اصطناعية أخرى وربما تدميرها. 
ويتمحور النقاش بشكل خاص حول «كوسموس 2543»، الذي أُطلق من قمر اصطناعي روسي أكبر، «كوسموس 2542» في ديسمبر 2019. ولكن الروس يشددون على أن المركبة الجديدة، التي اقتربت من أقمار اصطناعية روسية وأميركية منذ ظهورها، مجرد قمر اصطناعي يقوم بـ«التفتيش» ومهمته الأساسية هي الاستطلاع. ولكن في وقت سابق من هذا الشهر أطلق «كوسموس 2543» نفسه شيئاً جديداً من جسمه قدّرت قوة الفضاء الأميركية أنه نوع من سلاح مقذوف يمكن استخدامه بسهولة لتدمير قمر اصطناعي آخر. 
وقال الجنرال جون رايموند، قائد العمليات الفضائية في قوة الفضاء الأميركية، في بيان رسمي، «هذا دليل آخر على الجهود الروسية المستمرة لتطوير واختبار أنظمة في الفضاء». الروس يقولون إنه مجرد مسبار، هدفه المساعدة على تفتيش عمل المركبة الأكبر. ولكنه وضعٌ جديدٌ كلياً، ويثير عدداً من الأسئلة، كما يرى أندري باكليتسكي، الخبير الأمني في جامعة موسكو، إذ يقول: «هذا الموضوع غامض جداً، حينما يكون لديك شيء في الفضاء يستطيع التحرك والمناورة باستخدام قوة محركه الخاص، يصبح لديك فعلياً سلاح. والأمر لا يتطلب الكثير لإسقاط قمر اصطناعي. ولكن بالطبع حتى يصبح تهديداً حقيقياً في خوض الحروب ينبغي أن يكون لديك الكثير من تلك الأشياء منشورة في مدارها حول الأرض، وليس واحداً فقط».
ويرى محللون روس إن موسكو قلقة جداً بشأن البرنامج العسكري الأميركي السري في الفضاء، والذي بات لديه الآن وجه رسمي على شكل «قوة الفضاء الأميركية»، التي تُعد فرعاً جديداً من فروع القوات المسلحة الأميركية. ومن بين مهامها عملية «إكس-37 بي» الغامضة، وهي نسخة غير مأهولة للمكوك الفضائي القديم. المركبتان في الأسطول الأميركي قامتا بخمس رحلات طيران فضائي سرية، حيث قضتا ما مجموعه قرابة ثماني سنوات في المدار حول الأرض. ويقول الروس إن «إكس-37 بي» يقوم بالمهام نفسها تقريباً التي تقوم بها أقمار «كوسموس» الاصطناعية، بما في ذلك وضع أقمار اصطناعية تضطلع بدور «التفتيش» في المدار حول الأرض. 
وتفيد تقارير بأن قوة الفضاء الأميركية من المقرر أن تكشف عن عقيدة رسمية لخوض الحرب في الفضاء في الشهر المقبل، وهو شيء يحذّر محللون روس من أنه قد يؤدي على نحو لا مفر منه إلى سباق تسلح فضائي جديد.
ويقول باكليتسكي: «إن مصدر قلق روسيا لا يتعلق بأي أسلحة معينة أو نشاط معين في الفضاء في الوقت الراهن بقدر ما يتعلق بحقيقة أنه الآن هناك قوة فضاء أميركية دائمة، وأنها تعمل على وضع عقيدتها الخاصة بخصوص خوض الحروب، وأننا يمكن أن نجد أنفسنا أمام عملية لا يمكن وقفها. وهذا يجعل أي جهد يرمي إلى إيجاد استقرار استراتيجي على كوكب الأرض أكثر صعوبة وتعقيداً بكثير».
*صحفي كندي مقيم في موسكو
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»