في صباح التاسع من يناير عام 1997، وبينما كان «بيل غيتس» وزوجته «مليندا» يتصفحان جريدة نيويورك تايمز، شغلهما مقال بعنوان «المياه.. المشروب القاتل في العالم الثالث»؛ فقد أزعجهما ما سجله الصحفي وكاتب العمود الأميركي «نيكولاس كريستوف» من مشاهدات عن زيارة له في إحدى مناطق الهند الفقيرة، فكان ذاك المقال الشرارة التي حولت الفلسفة الخيرية لبيل وزوجته لتمتد لما يقارب ربع قرن، لمساعدة ملايين البشر حول العالم، متركزة -بجانب مشاريع أخرى- في تحسين الصحة العالمية، بإجمالي تبرعات فاقت قيمتها 35 مليار دولار أُنفقت منذ عام 1994. غير أنه وقبل قراءة ذلك المقال، كان سؤال «بيل» الأكثر إلحاحاً هو: أين يمكن لثروتي أن تكون قادرة على رفع أعظم ظلم باقٍ في الأرض؟

فلنتخيل لو أن «نيكولاس» كان قد عبر على أحوال سكان تلك القرية التي عانى أهلها غياب الصرف الصحي، وتعامل مع الموقف بطريقة تشبه ما يفعله أغلبنا بالتأثر وسكب الدموع والندب والولولة على أحوال الأطفال الذين يمرضون ويموتون صغاراً بسب مياه الشرب الملوثة بفضلات الصرف الصحي، ولم يكتب مقاله الذي روى فيه بكل أمانة قصص أمهات يعانين لإبقاء صغارهن أحياء في ظل ظروف صعبة، ولم يدعم مقاله بإحصاءات عالمية عن عدد الوفيات في العالم جراء الأمراض الناتجة عن هذا القصور، ولم يعرض نفسه لخطر المرض نتيجة لتجوله في تلك المناطق وإصراره على الكتابة في مواضيع تعد الأقل مقروئية في صحيفته، هل كان سيدرك «غيتس» وزوجته هذه المعاناة الإنسانية؟!

في نوفمبر من العالم 2018، صعد «بيل غيتس» منصة في معرض دولي في بكين ممسكاً بإناء مليء بمخلفات بشرية، حاثاً منتجي التكنولوجيا على العمل لحل مشاكل الصرف الصحي في العالم، ومنفقاً 200 مليون دولار في البحث بمجال تكنولوجيا دورات المياه والمراحيض، وذلك بسبب شرارة «مقال نيكولاس». لم يعترني شك إطلاقاً بقدرتنا، نحن معشر الكُتاب والصحفيين الذين ننشغل بالكتابة ونشتغل بها، على التأثير، وطالما كنت أتطلع لمن يكتبون بعين ملؤها الاحترام والتقدير، باعتبارهم يملكون منبراً وملكات لغوية وفكرية لإحداث التغيير على مختلف الصعد، الأمر الذي لم يكن ليتحقق بذات القدر لو كانوا على منصات أخرى، ولكن هل يُدرك الكُتاب ذلك فعلاً؟!