عندما تكون متعنتاً، متزمتاً، عندما تكون يابساً عصياً مثل «كعب قرط»، وعندما تعتقد أنك الوحيد في هذا العالم الذي يمتلك الحقيقة تخسر نفسك. عندما تفكر أنك تقف فوق قمة جبل، ولن يستطيع الطوفان أن يحرك فيك ساكناً، تخسر نفسك.
عندما تكره أن يكون للغير ما يفرح، وعندما تساهم أنت في تلوين الحياة بلون الغيوم السوداء، عندما تغادر محياك الابتسامة تخسر نفسك.
عندما تعتمد التنظير وسيلة للهدم، وتدمير الآخر، عندما تعيش مثل سكان قرية بدائية، تستهويهم خرافة التفوق على الطبيعة، بالعيش على الحروز الوهمية، والخداع البصرية، والحيل الدفاعية تخسر نفسك. عندما يغادرك الوعي بأنك جزء من كل، وأنك بالكل تكمل دورة الحياة، تخسر نفسك.
فكّر أحد الفلاسفة أن يزور صديقاً له في القرية المجاورة للقرية التي يعيش فيها، فقام الفيلسوف بزيارة صديقه القديم، ولكنه لما وصل إلى بيت الصديق لم يجده، وبعد أن طرق الباب عدة مرات ويئس من عدم وجود الصديق، استل ورقة من جيبه، وكتب عليها: أنا الفيلسوف العظيم التي تهتز له كل الجهات الأربع، آتي لزيارتك ولم أجدك، هذه مهزلة.
ولما عاد صديقه من السفر إلى بيته، وجد الورقة ملصقة على باب بيته، فاستغرب كتابة مثل هذه العبارة وبطريقة فوقية.
مزّق الورقة، وكتب على ورقة أخرى، كلمة «طز»، ثم ذهب إلى بيت صديقه وألصق الورقة على باب منزل صديقه، وقفل راجعاً إلى بيته، ولما عاد الفيلسوف إلى بيته وقرأ كلمة «طز»، استشاط غضباً، وصار يضرب الأرض بقدمه محتجاً، مرتجاً، ومزّق الورقة وذهب إلى صاحبه: أتكتب لي أنا الفيلسوف العظيم، الذي تهتز له الجهات الأربع هذه الكلمة البذيئة؟ فرد الصديق قائلاً: إذا كانت كلمة «طز» تهز وجدانك، وترج مشاعرك فكيف بك أن تهز الجهات الأربع؟!
فلم يكن ذلك الفيلسوف عظيماً، وإنما فكرته عن نفسه هي التي جعلته يعتقد أنه فيلسوف عظيم، الأمر الذي جعله ينظر حتى إلى أقرب الأصدقاء نظرة فوقية، ويتصور أنه فوق العالم أجمع!
ويذكر الفيلسوف الإغريقي بروتاغوراس في قوله عن الفكر الصخري، أنه إذا كان العقل مستبداً، فالصحوة مستحيلة، ونحن لا نستطيع أن نتواصل مع الآخر، إذا كان تحت هذه العظمة السميكة، والتي تسمى جمجمة، عقل أشبه بعظمة الركبة. نحن نحتاج إلى مرونة العقل، كحاجتنا إلى الهواء والماء كي نعيش حياة سعيدة.