في عام 1996، وفي مقالة مطولة جداً حول التعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة أثرت سؤالاً محورياً، ربما لم ينتبه الكثيرون، مفاده: لماذا نعلم أبناءنا؟ بمعنى ما هي الأهداف الحقيقية والبعيدة المدى التي تقف وراء إنفاق الدولة تريليونات الدراهم على التعليم منذ تأسيسها في ديسمبر 1971، وهل هي مجرد تعليمهم «فك الخط» أو القراءة والكتابة أم أنه توجد وراء ذلك أهداف وطنية استراتيجية وتطبيقية أكثر عمقاً وأبعد مدى؟
في تلك الحقبة كانت الأهداف تأسيسية محورها بناء الإنسان المواطن لكي يسهم في عمليات التنمية المتسارعة التي كانت في أوجها آنذاك وتأهيله، لكي يتولى أمور القيادة التنفيذية لمعظم المشاريع التي تطرحها الدولة للتنفيذ بعد أن ترصد لها المبالغ والميزانيات اللازمة، فكان دور التعليم مرحلياً، وكانت الإجابة على تساؤلي هي أن الهدف من تعليم أبنائنا هو بناء شخصياتهم كبشر قادرين على الإسهام بشكل جوهري في إدارة شؤون وطنهم على أكمل وجه ممكن، وفي تنفيذ عمليات التنمية الشاملة المستدامة.
لكن تلك الإجابة من جانبي كانت مرحلية وجزئية وغير مكتملة، وأتى جزء من استكمالها عن طريق المبادرة الاستراتيجية ذات الأهداف الوطنية العليا المتمثلة في رحلة «مسبار الأمل».
هذه المبادرة الاستراتيجية العلمية هي الأضخم من نوعها في دول العالم النامي، وهي الأولى في العالم العربي، وهي نقطة تاريخية فارقة في مسار دولة الإمارات نحو التقدم العلمي في حال وصولها إلى نهاياتها المحمودة المرجوة بإذن من الباري عز وجل وتوفيق منه.
أطلق مشروع «مسبار الأمل» عام 2014 لكي تصبح الإمارات أولى الدول العربية التي تتبنى مشروعاً ضخماً وجسوراً بهذا الحجم هدفه استكشاف كوكب المريخ من الناحية المناخية والبيئية بعد أن قامت دول أخرى بدراسة الجوانب الجغرافية والجيولوجية والطبوغرافية للكوكب الأحمر، وتهدف الإمارات من المشروع إلى تطوير رأس مالها البشري من خلال إعداد كوادر علمية وبحثية مواطنة مدربة وعلى قدر رفيع من التأهيل والكفاءة العلمية لقيادة المشروع وإيصاله إلى نهاياته الحميدة.
ما أستطيع الجزم به أن دولة الإمارات من خلال «مسبار الأمل» أمام نهضة علمية تكنولوجية معاصرة كبرى، وتقدم حضاري هائل هو مختلف بكل المقاييس عن كل ما يحدث في أنحاء العالم العربي في هذه اللحظة الحاسمة من زمن تاريخ العالم العربي، هي حضارة جديدة تولد على ضفاف الخليج العربي، تحمل في مضامينها جسارة العرب الذين يرون في قرارة أنفسهم بأنهم من غير اللائق بهم أن يقفوا متفرجين والعالم المتقدم يسير نحو الأمام بلا هوادة، وأن يقبعوا في موقع المتلقي، الذي لا حول له ولا قوة سوى الانفعال بالأحداث وتلقي الرياح التي تتقاذفه يمنة ويسرة وهو غير قادر على صدها أو اتقاء شرها.
الواقع أننا في الإمارات نرفض جملة وتفصيلاً أن نكون غرباء عن عصرنا المليء بمظاهر التقدم العلمي والارتقاء الحضاري.
لقد نظرت دولة الإمارات إلى أمر من هذا القبيل إلى أنه صعب لكن ليس بمستحيل، ففي عرف قيادتها لا يوجد شيء اسمه مستحيل، وذلك انطلاقاً من الوعي والإدراك والفهم لواقع العصر، الذي تعيش فيه ومعرفة حركته واتجاهه المرتبط بالمعرفة العلمية والذكاء الاصطناعي وغزو الفضاء ولأبعاد الثورة العلمية التكنولوجية المعاصرة وآفاقها.
لقد أدركت دولة الإمارات بأنها تملك الثروة المادية والإمكانيات البشرية، وهما أمران أساسيان يسهلان لكل أمة على وجه الأرض جميع جهودها الهادفة إلى التقدم والرقي، فأدركت كدولة ومجتمع ذاتها وعصرها، وعزمت عزماً أكيداً على مواكبة العالم الحديث في كل شيء، ومنها الوصول إلى المريخ.
التطورات العلمية العالمية والتطورات الاقتصادية العالمية، أظهرت بأن دولة الإمارات قوة اقتصادية مؤثرة وذات وزن عالمي، وهذا الموقع الاقتصادي المتقدم يعد اليوم أحد مصادر القوة في موازين القوى العالمية، ويتطلب أن يصاحبه ويدعمه تقدم علمي في التعامل مع شؤون الدولة والمجتمع سياسياً واقتصادياً، ولا يمكن لدولة الإمارات أن تحافظ على وضعها المتميز في عالم اليوم، دون أن يكون لديها تعليم جيد وتقدم علمي جيد.
أعود مرة أخرى، لكي أجيب على سؤالي لعام 1996 وأقول بأننا نعلم أبناءنا لكي نكون الرقم 1 على الصعد كافة، والله هو العاطي والواهب والقادر على كل شيء.
*كاتب إماراتي