ما هذا العبث والدمار الشامل؟ ما هذا الهول والجنون وخراب الديار؟ هل حقاً أصبحت بيروت مستباحةً إلى هذا الحد من الفوضى العارمة؟ هل هذه بيروت التي عرفناها وعرفها العالم أم مدينة أشباح عبث بها المخربون واللصوص والسراق؟ ماذا جرى وماذا يحدث لهذه المدينة العربية الجميلة الرائعة، التى تغنى بها الشعراء والفنانون، ورسموا وجهها المشرق وزيّن المبدعون شجرة الأرز فيها بالأجراس والزخرفة؟ ما هذا العبث والحقد والحسد وعدم المسؤولية؟ هل أصبحت بيروت تدفع ثمن تاريخها الناصع والمشرق والجميل، عندما كانت منارة للفكر والفن والإبداع والتميز؟ أين يريدون الذهاب بلبنان العربي؟ أما كفاهم كل التقسيم والتقطيع والتهميش لهذه المدينة الجميلة التي كانت مزدهرة وذات إشعاع حضاري باهر؟
كنا نذهب إلى بيروت حين يصيبنا اليأس والاكتئاب والإحباط والخمول، نزورها لكي نتنفس الصعداء، ونستمتع بمقاهيها ومكتباتها وأزقتها الهادئة الممتلئة بورود الياسمين وبسماع صوت فيروز يصدح كل صبح من النوافذ المشرعة للهواء النقي.
هل أصبح قدر العرب أن يخربوا أي مدينة مبهرة من مدنهم بهذا الشكل المرعب؟ كان لهذه المدن دور وتميز وبريق وتأثير وحضور وتألق، وأصبح بعضها الآن محترقاً ورأساً على عقب. من المسؤول ومَن المستفيد من وراء كل هذا الإجرام وهذا الدمار الذي لحق بهذه العواصم العربية (بيروت وبغداد ودمشق وطرابلس وصنعاء)؟ ما هذا اللامعقول الذي ساد وتفشى ونخر هذه العواصم، بعد أن كانت مدناً عامرة ومشيدة ومبهرة بالعطاء والنهضة والتنمية والعمران والتطور؟ كانت تصدّر العقول العربية الذكية، من أطباء وأكاديميين وخبراء وعلماء وإعلاميين ومبدعين في جميع المجالات والتخصصات والحرف والمهن.
لماذا تحوَّل البعض إلى قطّاع طرق ولصوص وبلطجية وخونة وعملاء وجواسيس.. يحطمون بلدانهم بهذا الشكل الجنوني والمخيف؟! ما مصير هذه الشعوب التي تقسمت وتشظت وانهارت قيمها وتخلت كثير من النخب فيها عن أخلاقها وسلوكها ومبادئها وماتت ضمائرها وتبلدت مشاعرها وتجمدت أحاسيسها.. لتكون معول هدم لبلدانها وأبناء جلدتها؟ وهل كانت هذه الشعوب مغيبة ومخدَّرة طيلة هذه القرون الماضية، وعندما غابت قياداتهم خرجوا لنا من تحت الأرض؟ ما لهذه النخب العربية؟ أهي مستوردة من الخارج إلى بلدانها بدافع تخريب عواصمها والانتقام منها؟
يالها من مصيبة وكارثة وابتلاء لم تشهد له المنطقة العربية مثيلا من قبل، حتى أثناء الحروب والمحن والكوارث الطبيعية، لم نشهد مثل هذا الدمار والخراب الذي يجري على أيدي أبناء هذه المدن العربية وبعض نخبها، والتي أصبحت مهددة بالانقراض والموت كما انقرضت الديناصورات من قبل! لقد ظهر اليوم كثيرون مثل الجرذان والفئران والأفاعي السامة القاتلة، يريدون لهذه المدن أن تبقى خراباً وركاماً وأن يعثيوا فيها دماراً وخراباً، وهذا ديدنهم وهذا شأنهم وأجندتهم الخارجية التي يأتمرون بها لأنهم رضوا أن يكونوا تابعين وليسوا أسياداً!

*كاتب سعودي