الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

د. شريف عرفة يكتب: قصة فشل؟

د. شريف عرفة يكتب: قصة فشل؟
7 أغسطس 2020 01:18

حين نفكر في الناجحين، نتصورهم أناساً عرفوا ما يريدون واستطاعوا تحقيقه.. إلا أن المدقق يجد أن حياتهم تمتلئ بالخطوط الفرعية التي لم تكتمل، والمشاريع التي تعثرت.. وما يصلنا مجرد قصة نجاح منقحة بأحداث منتقاة توحي بخط سردي واحد يأخذ البطل لهدفه، بينما الحقيقة غير ذلك..

اسمح لي أن أحكي هذه القصة..
التحق شاب متوسط الحال بالدراسة في معهد فني، لأنه لم يستطع الالتحاق بالجامعة.. كان يعتبر نفسه «أقل موهبة من أن يتخصص في الطب أو القانون»، فحاول أن يكون معلماً للرياضيات.. لكنه رسب في مادة تعتمد على التفكير كالفيزياء ونادراً ما كان يحضر محاضراتها، لدرجة أنه تلقى توبيخاً من مدير المعهد لعدم اجتهاده وتدني تحصيله الدراسي..
حصل على دبلوم التدريس أخيراً، ولم يجد عملاً.. حاول التدريس في المعهد ولم يستطع.. تزوج ولم يستطع الإنفاق على أسرته، فسافرت زوجته لتعيش مع أهلها لفترة.. كي يعزز سيرته الذاتية، قرر كتابة مقالة علمية ونشرها كي يوحي بأنه متخصص في مجاله، لكن هذا المقال جاء ضعيفاً ووصف بأنه «عديم القيمة» ومبني على فرضية خاطئة أساساً. حاول استغلال هذا المقال للبحث عن عمل، وأرسله لأساتذة الجامعات عارضاً العمل كمساعد.. ومن بين من راسلهم أستاذ الكيمياء الكبير «أوستفالد».. وبدا اليأس واضحاً في الرسالة، إذ جاء فيها «أنا بلا نقود ولن يساعدني إلا وظيفة من هذا النوع» لكن الأستاذ الكبير لم يرد.. بل إن والد صاحبنا رفق بحاله، وراسل هو الآخر أستاذ الكيمياء هذا متوسلاً إياه أن يرفق بابنه، موضحاً أنهم أسرة متوسطة الحال وابنه يشعر بالضياع، طالباً أن يعطيه فرصة أو أن يرسل له مجرد رسالة تشجيع، لكن أستاذ الكيمياء الكبير لم يرد أيضاً. 
بعد فترة، استطاع صاحبنا أن يجد عملاً كمدرس في إحدى المدارس الثانوية براتب متواضع.. فاضطر إلى نشر إعلان في الصحف، يعرض فيه خدماته كمدرس خصوصي مستعد لتقديم أولى حصصه مجاناً. في ورشة صديق له، حاول صنع أداة يستخدمها الفنيون في المعامل ليبيعها، لكن المشروع فشل.. كما فشل زواجه في الاستمرار.
حين وجد عملاً في مكتب قانوني يوثق حقوق الملكية الفكرية.. توافر لديه المال ووقت الفراغ، الذي استغله في كتابة مقالات علمية أخرى ليحاول نشرها.. في ذلك الوقت، لم يكن أحد ليعلم أن هذا البحث الذي يكتبه ذلك الشاب سيقلب علم الفيزياء رأساً على عقب ويمنح صاحبه جائزة نوبل في الفيزياء ويخلد اسم «آينشتاين» كأشهر عالم في التاريخ الحديث.
 ومن المثير للقشعريرة، أن أستاذ الكيمياء الشهير الذي تجاهل خطابات التوسل، أصبح بعد مرور تسع سنوات أول من رشح آينشتاين لجائزة نوبل. 
تفاصيل كثيرة جداً نجدها في سيرة آينشتاين التي وثقها الباحث والتر إيزاكسون، توضح أن الناجحين ليسوا شخصيات أسطورية لا تخطئ كما يحلو لعقولنا اختزالهم.. بل إن فلسفة النجاح، يمكن فهمها ببساطة كما يقول آينشتاين عن نفسه:
«لم أترك حجراً إلا وقلبته، ولم أتخل عن روح المرح قط، فقد خلق الله الحمار وأعطاه القدرة على التحمل!»

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©