الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

مندهشاً من وفرة البحر

مندهشاً من وفرة البحر
6 أغسطس 2020 01:27

كمن يعود من بلاد السيوف عدتُ إلى دموعك!
صدر حديثاً في باريس كتاب غريب «غير منتظر» للشاعر الأرجنتيني الكبير خوسيه لوي بورخيس بعنوان «قصائد حب لبورخيس» العنوان غريب لأن صاحب «نمور من ذهب» لم يؤلف كتباً خاصة بالحب، ليس عنده كتاب مستقل بقصائد حب مستقلة، كما هي الحال عند بابلو نيرودا (مئة قصيدة حب)، وبول إيلوار، أو أراغون، أو ألبرتي، أو ناظم حكمت، أو عندنا سعيد عقل أو نزار قباني، والياس أبو شبكة... وقبل أن أطلب الكتاب بالبريد من دار نشر «غاليمار» تساءلت: إذا كان ليس عند بورخيس كتاب حب، فكيف وُضع هذا الكتاب؟ وكان الجواب عندما قرأت الكتاب، ووجدتُ أنه عملية جمع لقصائد حب متفرقة، في تضاعيف عدة كتب (وسبق أن قرأنا معظمها في أعماله). لكن المدهش عند بورخيس أن قصيدة الحب نفسها ليست «نقية» أو مموضعة حول كلام الحب فحسب، وإنما القصيدة جزء من رؤيا حياتية، أو ثقافية... كأن الحب في بعض قصائده طريق للسفر في الزمن والحضارات والتاريخ.
اخترنا من كتاب «قصائد حب» لبورغيس مجموعة من القصائد أو بالأحرى ما يشكل معظم الكتاب.

غياب 
سيكون عليّ أن أرفع الحياة الواسعة
التي مازالت مرآتك:
سيكون عليّ إعادة بنائها كل صباح
منذ رحيلك
كم من الأمكنة صارت بلا جدوى
وفارغة المعنى، أشبه
بالأضواء في عز النهار.
مساءات كانت ملجأ لصورتك، 
موسيقى حيث كنت تنتظرينني دائماً، 
كلمات من هذه الأيام، 
سيكون عليّ أن أحطمها بيدي.
في أي حفرة أخبئ نفسي
كي لا أرى غيابك، 
الذي، كشمس رهيبة، بلا مغيب، 
تلمع بشكل نهائي لا يرحم؟
غيابك يطوقني
كحبل حول العنق 
البحر حيث تغرق. 
غنيمة
كمن يعبر شاطئاً 
مندهشاً من وفرة البحر، 
مبهوراً بالضوء والفضاء السخي، 
كنت المتفرج على جمالك
على امتداد نهار طويل.
عند الغسق كان الوداع
وبعزلة مطّردة
العودة إلى الشوارع حيث ما زالت الوجوه 
تعرفك
تَسوّدُ سعادتي وأنا أفكر في
أن من هذا الحزن النبيل للذكرى
بالكاد يبقى واحد أو اثنان، 
ليكون زينة للنفس
في خلود ضياعك.
وداعاً
بين الحب وبين ترتفع
ثلاثمئة ليلة مثل ثلاثمئة جدار
 ويكون البحر بيننا سحراً.
لن يتبقى غير الذكريات.
آه! أيتها المساءات المُستحقة بالحزن، 
لياليَ في رجاء لقائك
حقل طريقي، أثير
 ألحظه وأضيعه.
نهائي كالمرمر
يُحزن غيابك مساءات أخرى.
وداع
مساءٌ حَفَّرَ وداعاً.
مساء حاد ولذيذ ومرعب مثل 
ملاك مظلم.
مساء عندما عاشت شفاهنا في الحميمية 
المجردة من القُبل.
كان الزمن المُقدر يفيض عناقاً بلا جدوى.
كنا نغدق معاً الشغف، ليس من أجلنا
بل من الوحدة التي صارت قريبة.
كان الضوء يصدُّنا، هبط الليل عجولا.
ذهبنا حتى السياج في جاذبية الظل
الذي أراحته النجمة.
كمن يعود من حقلٍ ضائع، عدت من عناقك.
كمن يعود من بلاد السيوف، عدت من دموعك.
مساء دائماً حي كحلم بين مساءات أخرى. 
بعدها أدركت وتجاوزت تدريجياً الليالي والجروح.

1964
I
لم يعد العالم سحرياً، تركناك.
لم تعودي تشاطرين ضوء القمر
ولا الحدائق الكسلى، ولم يعد
هناك قمر لا يكون مرآة للماضي، 
بلّور العزلة، شمس الاحتضار
ودائماً أيتها الأيدي المتبادلة والأصداغ 
التي كان يُقرّبها الحب. لم يعد عندك اليوم 
سوى المرآة الصادقة والأيام الجرداء.
لا أحد يخسر (ترددين بلا جدوى)، 
ما عدا الذي يمتلك ولن يمتلك، 
لكن الشجاعة لا تكفي
لاستعادة فن النسيان.
رمز، وردة، يمزقانك
ويمكن قيثارة أن تقتلك.

II
لن أكون سعيداً. أترى ذلك مهماً؟
فهناك أمور أخرى كثيرة في العالم؟
لحظة ما هي أعمق
ومختلفة عن البحر. الحياة قصيرة، 
وحتى لو كانت الأيام طويلة، هذا السهم الآخر
الذي يحررنا من الشمس ومن القمر
ومن الحب. السعادة التي وهبتني، واسترددْتِها
يجب أن تُمحى.
وما كان كل شيء يجب أن يصبح عدماً.
لم يبتقَّ لي سوى طعم أن أكون حزيناً، 
هذه العادة غير المجدية التي تقودني
إلى الجنوب، إلى باب ما، إلى شارع ما.
On his Blindness
غير جدير بالنجوم وبالعصفور
الذي يخترق الأثير العميق، يصبح سراً، 
من هذه الخطوط التي هي الأبجدية
التي ينظمها آخرون ومن المرمر الضخم
اللتين تضيع في 
عمقهما عيناي المتعبتان، وروداً
غير مرئية ووفرة من الذهب والحمراء
أتابع، ليس من «ألف ليلة وليلة» التي تفتح
بحاراً وفجراً في عتمتين، 
وليس من والت ويتمان، هذا الآدم الذي 
يسمي الكائنات الحية تحت القمر، 
وليس من هبات النسيان البيضاء
وليس من الحب الذي أتمنى ولا يناديني.
ما ضاع
أين حياتي، تلك التي كان يمكن أن
تكون ولم تكن. المحظيّة 
أو تلك من الرعب الحزين، ذلك
الشيء الآخر الذي كان يمكن أن يكون السيف
أو الترس ولم يكن؟ أين السلف الفارسي
الضائع، أو النروجي، حيث صدفة ألا تصبح أعمى، 
حيث المرساة والبحر، حيث النسيان
أن يكون ما أنا؟ أين هي تلك الليلة الصافية
الليلة التي بالفلاح العتي يعهد
بالنهار الآلي والنشط
بحسب أُمنية الأدب؟
أفكر أيضاً بهذا الرفيق 
الذي كان ينتظرني، والذي، ربما ما زال ينتظرني.

H.O
في شارع هناك باب متين
بجَرَسه ورقمه المحدد
وطعم الجنة المفقودة، 
الذي عند غياب النهار ليس مفتوحاً 
لقدميّ. النهار مكتملاً، 
صوت منتظر قد ينتظرني 
في تهاوي كل يوم
وفي هدوء الليل الغرامي.
هذه الأشياء ليست موجودة. قدري آخر:
الساعات الغامضة، الذاكرة غير النقية، 
تعسف الأدب
وفي تخوم الموت غير الممتع.
وحدها هذه الصخرة أريد وحدهما هذين التاريخين التجريديين والنسيان.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©