الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

د. عبد الله الغذامي يكتب: الجريدة إذ تصبح نكتة

د. عبد الله الغذامي يكتب: الجريدة إذ تصبح نكتة
6 أغسطس 2020 01:27

في بهو الفندق التقطت جريدتي الجارديان والديلي تيليغراف البريطانيتين، ومعي قهوتي وصرت كأني ملك زماني إذ سبقت كل الأيدي واستحوذت على الجريدتين معاً، وشرعت أقرأ الجارديان وحين فرغت منها وضعتها في مكان بارز ليراها من يرغب بها، وشرعت بقراءة الديلي تيليغراف، وحين شارفت على النهاية انضم لطاولتي رجل وزوجته وكلاهما مسنان، نظر الرجل لجريدة الجارديان ثم نظر لي متبسماً وراوح بين نظراته نحوي ونحو الجريدة مع ازدياد تبسمه ليتحول التبسم إلى ضحكات، ثم طوى الجريدة وأعادها لمحلها وهو يقول ساخراً: الجارديان... هاها هاها هاها، فسألته لماذا فقال بتلقائية إنها جريدة نكتة، يسارية منحازة ولا أثق بها وكلنا نستحقرها، فعرضت عليه جريدة الديلي تيليغراف، فقال نعم هذه أفضل.
 ولم أستطع مقاومة فضولي فتكلمت عن تاريخ الجارديان وأهميتها، فلم يعجبه قولي، وهنا تركت له التحدث بحرية دون تدخل مني فزاد قولاً بأن الجارديان جريدة الأقلية، ولهذا رميتها على الطاولة، وهذا محلها الذي يجب أن تظل فيه، وهنا تفرع الحديث بيننا واسترسل الرجل العجوز يتحدث معي عن الأوروبيين وكيف أفسدوا ذوق الإنجليز وجعلوهم يميلون لليسار، وينسون بريطانيا العظمى، ولم يبخل ببضع جمل تلعن الشرق الأوروبي الشرير الذي سمح له الاتحاد الأوروبي بالتسلل لبريطانيا، وأكد موقفه ضد أوروبا كلها التي يراها خانت تاريخها وباعت نفسها للشيوعيين الأوروبيين، وأصر على ضرورة الخروج عن أوروبا وهذا هو الحل الوحيد للحفاظ على استقلال بريطانيا والحفاظ على مجدها العريق، والتفت مرة أخرى ليضحك على منظر جريدة الجارديان ملقاة على الطاولة كأنها جثة متعفنة، وقال لي في النهاية: يبدو أنك لست من أوروبا، وسعد حين قلت له لا ولكني أحب أن أقرأ كل الصحف البريطانية لكي أرى ما يحدث من كافة وجوهه، فرد بجملة ختمت لقاءنا بأن الصحف صارت زبالة، وكلهم خونة لمجد بريطانيا العظمى، ثم غادر وهو يرمق الصحيفة باشمئزاز واحتقار ويردد: إنها مجرد نكتة لا تستحق الإصغاء لها. 
 هذا الرجل بقية من عينة كنت أعرفهم في السبعينيات أثناء دراستي في بريطانيا ممن كانوا يمقتون الاتحاد السوفييتي ويمقتون اليسار كله من حيث كان، ويميلون لأميركا بعيدا عن أوروبا، وكنت أظن هذه العينة قد اندثرت ولكن صاحبي هذا أكد لي أن الحس البريطاني المتعالي على أوروبا لما يزل قوياً وعميقاً، خاصة مع كبار السن الذين ظل مجد بريطانيا العظمى عالقاً بوجدانهم.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©