أنجبن بطل أول ملحمة في التاريخ «جلجامش»، وأنجبن واضع أول شريعة قانونية في التاريخ «حمورابي»، وأنجبن «إنهدوانا» أول شاعرة، معروفة بالاسم والصورة في التاريخ. وأروع ما أنجبن بلاد ما بين النهرين، التي سجلت 39 سابقة في التاريخ، ذكرها المؤرخ «صاموئيل كريمر» في كتابه «التاريخ يبدأ في سومر». ومعجزة بقاء العراق الحالي نساؤه الطبيبات، اللواتي لم يغادرنه، ويواصلن احتضانه، كالأم المرضعة، ويتدّبرنَ إنقاذ حياة مرضاه، وتأمين الدواء في ظروف الحظر، وعبر حروب واضطرابات مدمرة، وبينهن الدكتورة «نجلة أيوب»، زميلة كلية الطب الملكية البريطانية عام 1980، وخريجة كلية الطب في جامعة بغداد عام 1968. استهلت الدكتورة «نجلة» عملها الطبي عندما كان الوضع الصحي في العراق في السبعينيات والثمانينيات يتقدم بلدان المنطقة، وواجهت صدمة الحظر والغزو، اللذين دّمرا النظام الصحي للعراق. ولم تغادر الدكتورة نجلة العراق، بل استمرت في عملها اختصاصية في طب الأطفال وتدريسه في كلية الطب بجامعة الكوفة و«مستشفى الزهراء التعليمي للأطفال والأمهات»، وتحاضر وتبحث صحة المواليد الجدد في «مستشفى اليرموك التعليمي» في بغداد. وواصلت الدكتورة نجلة أبحاثها بعد الدكتوراه، حول داء السكري والبدانة لدى الأطفال، وتأثيرهما على الأجهزة الدموية والتبادل الأيضي للأغذية. ولم تنقطع عن عملها أستاذة واستشاريةً في طب الأطفال بعد الغزو، الذي دّمّر 7% من مستشفيات العراق، ونهب موجودات 12 في المائة منها، واستخدمت قوات الغزو مستشفيات ومستوصفات عدة لأغراض عسكرية. 
وتَتعلق الطبيبات في بلد شهد منذ عام 2003 مقتل ألفي طبيب وتشريد أكثر من عشرين ألفاً، بمهنتهن تَعّلق الأم بوليدها. لقد ولدنه، وكلّما مات يلدنه مرة أخرى، بكل ما في الولادة من آلام رهيبة ورهان خطير. هذه قصة حياة الدكتورة «تاله الأوقاتي» التي تخرجت في كلية الطب في جامعة المستنصرية عام 1986، وقضت سنوات الخدمة الطبية في القرى والأرياف، وترأست منذ عام 2000 قسم المواليد الجدد في «مستشفى اليرموك التعليمي» في بغداد، وتواصل نشر أبحاثها في المجلات العربية والعالمية، وتدير عيادتها الخاصة، وتشغل حالياً عضوية «اللجنة الوطنية لوفيات المواليد الجدد» في وزارة الصحة. ويصف تقرير وكالة الأنباء الصحية العالمية THE NEW HAUMANITARIAN تفاني الدكتورة «تاله» في عملها: «تقف وسط غرفة الحاضنات الملأى بالمواليد قبل الأوان، تنظر بعاطفة جياشة نحوهم». 
وهناك جيل جديد مدهش من طبيبات العراق، دَرَسن الطب في سنوات الاضطراب بعد الغزو، منه الدكتورة «نور قحطان هادي» المولودة عام 1986، والتي تخرجت عام 2010 في كلية الطب في الحلة، وبعد سنوات الخدمة الطبية في القرى والأرياف، اجتازت المرحلة الأولى من البورد العربي في الجراحة، وولدت خلال ذلك ولدين توأمين، وستصبح واحدة من ثلاث طبيبات جرّاحات في محافظة بابل. و«نور» من عائلة أطباء، فأمها ياسمين البياتي طبيبة اختصاصية نسائية، وزوجها محمد بدر الجريان، اختصاصي أمراض وجراحة العيون. ووالدها قحطان هادي حسين، مؤسس وعميد كلية التمريض في بابل، وعميد الدراسات العليا في جامعة بابل، ويرأس حالياً الجامعة ذاتها. 
«أعَدتِ لي الإيمان بالعراق»، قلتُ للدكتورة «نور» التي تمارس هواية الرسم وكتابة الشعر، فيما تواجه مع زميلاتها وباء «كوفيد-19»، ويدفعن نفقات شراء المعدات الطبية اللازمة من جيوبهن، في ظروف مروعة عرضها تقرير تلفزيوني مخيف، كأفلام الرعب، عن «مستشفى مرجان التعليمي في بابل»، الذي أصبح مستشفى الوباء. المرضى يفترشون الممرات، ويتعالى أنينهم وسط القاذورات، وتحيطهم أنابيب غاز تَبرّع بثمنها الناس. ذكر ذلك مقدم التقرير، الذي صوّر غرف التواليت القذرة، مستعطفاً المسؤولين، بمن فيهم رئيس الوزراء، أن يأتوا لمشاهدة الوضع الكارثي في أقرب محافظة للعاصمة بغداد. هنا طبيبات وممرضات العراق «مرضعات مقاتلات»، مثل «إنانا» أقدم معبودة في التاريخ. «جالبة السعادة التي تنشر الحبور في الأرض». تنشد لها ذلك الشاعرة «إنهدوانا» التي تحمل اسمها جمعيات وندوات عبر العالم.