لماذا يكذب الإنسان؟ ولماذا يسرق؟ ولماذا يتجبر؟ لماذا يرتكب الإنسان كافة الجرائم ولا يتورع في فعل كل ما يسيء إلى الغير، ويحيق به، ويفتك في مصيره؟ كل ذلك يحدث لأن الإنسان كائن خيالي، وإذا ما مرض خياله يتحول من مخلوق وديع إلى وحش مدمر، خيال الإنسان المريض يجعله يفكر في أنه لو سرق وسطا على مال الغير، فسوف يصبح غنياً، ثرياً بين لحظة وأخرى، خيال الإنسان المريض يضطره لأن يقتل، لأن خياله المريض يصور له في أنه لو قتل شخصاً ما، فسوف يتخلص من عقبته التي تقف في طريقه إلى التقدم ونيل المنصب المعين، أو الثروة التي يصبو إليها.
خيال الإنسان المريض هو الذي يدفعه في أن يرفع أنفه، ويتجبر، ويتبخر، ولا يمشي على الأرض هوناً، لأن هناك تحت الجمجمة الصلبة، يكمن خيال مريض لديه من المثيرات ما تشجع الإنسان على التعالي، لأنه يتخيل في التعالي كسب احترام الآخر، وأحياناً الخوف، والجزع من شخصية نفخه كما هو البالون، فهذا الخيال، وهذا المآل إلى خيال أصيب في غفلة من الإنسان بلوثة عقلية أطاحت بالقيم، وأبادت الشيم، وأصبح الإنسان مثل طائرة ورقية تلعب لها الريح، فلا قرار لها، ولا استقرار.
هذا الخيال الذي ميّز الإنسان عن سائر المخلوقات عندما يلحقه غبار الخلل، والزلل، يصبح طائرة مخطوفة، مصيرها معلّق بمشاجب الوهم، والصور الخيالية التي تتكاثف وتتعاظم لتمنع الرؤية، وتغشي العيون، وتعمي البصيرة، وتحول الإنسان إلى وحش كاسر يحطم أشجار الغابة، فلا يبقي ولا يذر، إنه الشر المستطير، الذي يبيد ولا يعيد، ويدمر ولا يعمر. عندما يبتلى الإنسان بخيال كهذا، فإنه يزلزل ولا يجلل، ويغربل ولا يدلل، ويسربل ولا يكلل، ويجندل ولا يذلل.
خيال الإنسان دليله إلى الحياة، فإما خيال كجناح الطير يأخذك إلى الفضاء الرّحب من دون انكسار، أو خيال كشراع تهتّكت قماشته، فأطاح بمركب سفرك، وصرت عند صخرة النهايات القصوى، فالذين اعتقدوا أنهم امتلكوا ناصية الحقيقة هم أولئك الذين اختطفهم خيالهم المريض، ومرّ بهم عند الحفر السوداء، ثم ألقى بهم في جحيم الحلكة القاتلة.
هؤلاء هم الذين تحوّلوا بين عشيّة وضحاها إلى مخلوقات هلاميّة، تحشر الناس عند قارعة الفناء، وتبيد أزهار الحياة، وتعمل على إشعال الحرائق في الموائل الآمنة.