التصريحات الاستفزازية التي أدلى بها وزير الدفاع التركي خلوصي أكار قبل أيام وتضمنت الكثير من الافتراءات بشأن دولة الإمارات، وموقفها من الأزمتين السورية والليبية، تجسد بوضوح حالة «الشيزوفرينيا» السياسية التي تسيطر على السياسة الخارجية التركية، وتجعلها تمارس الشيء ونقيضه في آن معاً، وهذا يرجع ربما إلى صعوبة إدراك صانع القرار التركي أن ممارسات القوى الإمبراطورية القديمة التي تسعى أنقرة إلى إحيائها من خلال تدخلاتها الفجة والمستمرة في شؤون العالم العربي، واحتلال أجزاء من أراضيه، والسيطرة على مقدراته وثرواته، لا يمكن القبول بها في الألفية الجديدة، ليس فقط لأنها تتنافى مع مبادئ القانون الدولي وتنتهك حق السيادة الوطنية لدول المنطقة، وإنما لأنها تنطوي على تهديد بالغ للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي أيضاً.
تصريحات المدعو خلوصي أكار وتهديداته الجوفاء والتي لم ولن تحرك شعره في رؤوس العرب بشكل عام والإماراتيين بشكل خاص، ليست سوى وسيلة لصرف الأنظار عن المشكلات والأزمات العديدة التي تواجه بلاده في الداخل، ولا تنفصل عن خطاب الاستعلاء وغطرسة القوة المزعومة التي تتبناها أنقرة في مواجهة دول المنطقة التي تتصدى لتدخلاتها وسياساتها العدائية في العالم العربي، وهو الخطاب الذي طالما لجأ إليه نظام أردوغان كلما تصاعدت حدة الانتقادات الموجهة إليه في الداخل، وتحميله مسؤولية انهيار الاقتصاد وتوريط تركيا في صراعات خارجية غير محسوبة النتائج، ولهذا فإن تصريحات خلوصي أكار هي في حقيقتها إقرار بالضعف والفشل والعجز في آن معاً.
اللافت في الأمر أن تركيا والتي ينطبق عليها المثل العربي «رمتني بدائها وانسلت» توزع اتهاماتها وتهديداتها لدول المنطقة، متجاهلة بأنها أحد أهم العوامل الرئيسية في زعزعة أسس الأمن والاستقرار فيها، فهي تتصرف وكأنها قوة إمبراطورية عظمى من خلال فرض أمر واقع على المناطق التي توجد بها عسكرياً، سواء في شمال سوريا أو في إقليم كردستان العراق أو في لبيبا، ومن خلال تحالفاتها مع قوى الشر، ممثلة في حركات الإسلام السياسي والتنظيمات المتطرفة والإرهابية التي لا تؤمن بالأوطان، وتسعى إلى تدميرها. 
اتهامات تركيا للإمارات، والحملة الإعلامية ضد مصر والسعودية في وسائل الإعلام «الإخوانية» التي تبث من أنقرة، ترجع بالأساس إلى أن هذه الدول تأخذ على عاتقها التصدي لأطماع تركيا وتدخلاتها المستمرة في العالم العربي، ولهذا لا يألو نظام أردوغان جهداً في توجيه الانتقادات لهذه الدول، والسعي إلى تشويه صورتها والتشكيك في مواقفها، والتحريض ضدها في وسائل الإعلام الموالية له، وذلك في محاولة منه للتغطية على جرائم الحرب التي ترتكبها ميليشياته في سوريا وليبيا والعراق.
في الوقت الذي تواصل فيه تركيا سياساتها العدائية المهددة للدولة الوطنية في العالم العربي، فإن دولة الإمارات تقود الجهود والمبادرات الرامية لإعادة الأمن والاستقرار لدول المنطقة، من خلال رؤية عميقة ومتكاملة تؤكد على سيادة دولها، والحفاظ على وحدتها الوطنية، وتدعم تطلعات شعوبها في تحقيق التنمية والأمن والاستقرار، ولهذا فإن الدول العربية كافة تدعم موقف الإمارات الرافض لاستمرار تدخل تركيا في شؤون العالم العربي، ومطالبتها بالتخلي عن سياساتها العدائية وممارساتها المزعزعة لأمن واستقرار دول المنطقة.
هناك فرق كبير، بين تركيا التي تستثمر في مشروع أساسه الفوضى الهدامة من خلال التحالف مع جماعات الإسلام السياسي وقوى التطرف والإرهاب واستغلال أزمات المنطقة في خدمة مشروعها التوسعي، وبين دولة الإمارات التي تقود مشروع البناء وإعادة الأمن والاستقرار والعمل على انتشال دول المنطقة من براثن التطرف والتعصب والفقر والبطالة. وهناك أيضاً فرق كبير بين نظام أردوغان الذي يتبنى خطاباً شعبوياً يصور نفسه فيه باعتباره قائد العالم الإسلامي، بينما تنهمك الميليشيات التابعة له في ارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية، وبين قيادة الإمارات التي تمثل الأمل والحكمة، وتسخر إنجازاتها، وكان آخرها «مسبار الأمل» ومحطة «براكة» للطاقة النووية السلمية؛ في خدمة تنمية ورفاهية شعوب المنطقة والعالم، كما توجه مساعداتها الإنسانية لتنمية المجتمعات ومعالجة المشكلات التي تواجهها، وتوظف دبلوماسيتها الفاعلة في العمل على إيجاد حلول مستدامة لأزمات وصراعات المنطقة. 
لقد أثبتت الإمارات خلال السنوات الماضية أنها قوة أمن واستقرار في مواجهة مشروعات الفوضى الهدامة، ليس فقط لأنها استطاعت أن تتصدى للمؤامرات المختلفة التي واجهت- وما تزال- الدول العربية، وكشف خيوطها والجهات التي تحركها، وإنما أيضاً لأنها تقود مشروعاً تنموياً حضارياً يحظى بإعجاب العالم أجمع، تسعى من خلاله إلى وضع العرب على طريق النهضة الحقيقية والمشاركة في مسيرة التقدم الحضاري والإنساني.