جرت عشية الاثنين الماضي (27 يوليو المنصرم) مسرحية شديدة الغموض، شبّهها متندرون بقطعة صمويل بيكيت: في انتظار غودو؛ فمنذ شهور يتنبأُ كثيرون بحصول حرب بين «حزب الله» وإسرائيل بسبب التهديدات الكثيرة والمتبادلة بين الطرفين. وجاءت مناسبة صعّدت من هذا الاحتمال، وهي مقتل أحد ضباط ميليشيا الحزب في سوريا، على مقربةٍ من دمشق، خلال غارةٍ إسرائيلية على المراكز الإيرانية هناك! وعندها هدَّد الحزب بالانتقام القريب والقاسي. الإسرائيليون استعدوا، وبالطبع، فإنّ المقاومة العظيمة مستعدة دائماً(!). وفي اليوم الموعود حدث تسلل ردَّه الإسرائيليون دون خسائر، كما حصل إطلاق نار على مركبة عسكرية لم تُصَب. وفي حين ابتهج الإسرائيليون وطمأن الجيش الإسرائيلي السكان، صمت الحزب طويلاً، وكذلك الجيش والسلطات اللبنانية، حتى المساء، ليقول الحزب بعدها إنه لم يقم بهجوم، بل «خدع» الإسرائيليين وجرَّهم وأربكهم إرباكاً شديداً بعدم إطلاق النار! وتبرعت الحكومة اللبنانية باعتبار ذلك مخالفاً للقرار 1701، واشتكت إلى مجلس الأمن الدولي! وهكذا، فهذا العهد الميمون أعطى الميليشيا المسلّحة قرار الحرب والسلم، وتجاهل، مثل الحزب، القرارات الدولية.
لقد صار ما حدث بالجنوب ضمن الاستحقاقات التي تهدد سلام لبنان وأمنه وسيادته، وليس منذ اليوم، بل منذ تسعينيات القرن الماضي، وبخاصةٍ بعد عام 2000. 
إنما الفرق أنّ الحكومات السابقة (وإن لم تستطع كبح جماح الحزب)، فإنها كانت تعلن وقوفها مع القرارات الدولية، وبخاصةٍ في هذا السياق القرار رقم 1701 الذي جلب القوات الدولية لجنوب لبنان، لمساعدة الجيش اللبناني، ونص على منع السلاح جنوب الليطاني لغير الجيش والقوات الدولية التي تدعمه!
وما فعله الحزب يوم الاثنين الماضي، أنه أرسل إشارةً إلى الدول الكبرى مطلوبة إيرانياً، مفادها أنّ الإيرانيين يملكون قرار الحرب والسلم في لبنان، وعليهم في مجلس الأمن وخارجه إدراك ذلك واعتبار إيران شريكاً!
وهذا هو الاستحقاق الأول الذي يواجه أهل السلطة اللبنانية الآن. فالدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، ليست راضيةً عن الخطوات أو «عدم الخطوات» التي اتخذتها السلطات المتحالفة مع الحزب لإنفاذ القرارات الدولية، حيث تزعم إسرائيل أن للحزب 22 مركزاً مسلَّحاً جنوب الليطاني، تهدد أمنها، كما تهدد القوات الدولية نفسها! فما هي الفائدة من القوات الدولية والجيش إذا كان العهد وحكومته يعتمدان على الحزب وليس على المجتمع الدولي، وبخاصةٍ أنّ هذا هو ما قاله عديدون في العهد، آخرهم جبران باسيل؟! وعلى أي حال، هذا التجاهل للقرارين 1559 و1701 هو ما سيواجهه لبنان خلال أسابيع قليلة عند البحث في التجديد للقوات الدولية.
أما الاستحقاق الثاني، فهو التحدي الذي طرحه البطريرك الراعي، وهو ذو شقين: تحرير الشرعية (يعني ضد العهد المرتهن للدستور)، وطلب الحياد للبنان (ضد السلاح غير الشرعي) الذي يُدخل لبنان في حروب ومحاور ونزاعات. أما أهل السلاح غير الشرعي وأنصارهم، فقد ناهضوا المطلب واتهموا البطريرك بالعمالة! فيما قال رئيس العهد: إن الأمر يحتاج لإجماع، فأجابه البطريرك: وهل تدخل الحزب بسوريا والعراق واليمن.. إلخ، كان بموافقة اللبنانيين؟! لقد تشكلت معارضةٌ واسعةٌ تدعم موقف البطريرك، والعهدُ والحزبُ حائران فيها!
والاستحقاق الثالث هو صدور الحكم يوم 7/8 من المحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري (في 14 شباط 2005)، وهو يأتي في وجه الحزب مباشرةً، لأنّ أربعةً من محازبيه هم المتهمون بالاغتيال. وفيما عدا فرنسا، فإنّ الأميركيين ودول الاتحاد الأوروبي ودولاً في أميركا اللاتينية ودولاً عربية، صارت تعتبر الحزب تنظيماً إرهابياً. ولذا، فإنّ هذا الحكم يزيد من الضغوط عليه وعلى العهد وحكومته لاتخاذ موقف لن تتخذاه بالفعل!
أما الاستحقاق الرابع، فهو ناجمٌ عن العزلة المتزايدة للعهد والحزب بالداخل والخارج. ولذلك، فإنّ الأزمة الاقتصادية تتفاقم بشدة. وقد قام رئيس الحكومة بالهجوم على وزير الخارجية الفرنسي الذي زار لبنان، لأنه قال: لا مساعدات من دون إصلاحات! وحسان دياب يعتبر أن إصلاحاته تخلب الأبصار. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

*أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية -بيروت