قبل عقدين من الزمان، لم يكن بوسع البولنديين سوى المراقبة في حيرة. فقد كان الأميركيون منقسمين بشدة حول من يجب أن يكون رئيساً لدرجة أن انتخابات عام 2000 كانت متوقفة على قصاصة ورق ويجب حسمها من قبل المحكمة العليا. وأصبح جورج دبليو بوش أول فائز يخسر التصويت الشعبي الوطني منذ عام 1888. لقد تم اختبار الديمقراطية الأميركية لكنها ظهرت بالكامل.
وبينما كان يتم فرز الأصوات في الانتخابات الرئاسية البولندية قبل أسبوعين، بدت النتائج متقاربة بما يكفي لأن يتم رفعها إلى المحاكم. وكانت هذه هي النتائج الأكثر تقارباً منذ سقوط الشيوعية. لم يقر عمدة وارسو، «رافال ترزاسكوفسكي»، بالهزيمة بعد، لكن اللجنة الانتخابية قالت إن الرئيس «أندريه دودا» فاز بأكثر من 51% من الأصوات، وهو تقدم من غير المرجح أن يتغير.
وسيكون رد الفعل الفوري من هؤلاء الذين يأسفون بشأن مسار بولندا الأخير هو خيبة الأمل. وتأكيد انتصار «دودا» يكاد يعني أنه من المؤكد استمرار «الإصلاحات المؤسسية» التي أدت إلى تآكل الرقابة على السلطة التنفيذية واستقلال القضاء وحرية الإعلام بشكل مستمر منذ وصول «حزب القانون والعدالة» الحاكم إلى السلطة في عام 2015. وكان فوز «دودا»، من خلال حملة شعبوية قومية معادية لوسائل الإعلام الأجنبية ومناهضة لليهود والمثليين والأقليات الأخرى، فوزاً محبِطاً، إن لم يكن مفاجئاً.
ومع ذلك، فإن البولنديين الذين عارضوا «دودا» يمكن أن يستلهموا الجرأة. فتقارب نتائج السباق والإقبال القوي سيشجع المعارضة على العودة بقوة في الانتخابات البرلمانية لعام 2023. وكما قال لي صديق بولندي، فإن فوز «دودا» مكلِّف، وإن «حزب القانون والعدالة»، الذي فاز بفارق ضئيل عام 2019، سيواجه أوقاتاً أكثر صعوبة.
وتتمتع الرئاسة في بولندا بسلطات محدودة، لذا لا يبدو التصويت، من ناحية، مهماً للغاية. لكن من بين هذه السلطات استخدام حق الفيتو للاعتراض على أي تشريع، ما يمكن أن يكون سلاحاً رئيسياً في ترسانة المعارضة فيما لو حكم القضاء لصالح ترزاسكوفسكي.
ويذكر أن «حزب القانون والعدالة» قد فاز بالسلطة في عام 2015، حيث حصل على أول أغلبية حزبية منذ سقوط الشيوعية، بعد حملة شعبوية لمحاربة الفساد، ومناصرة المحافظين الكاثوليك التقليديين، وتوفير الرعاية للشرائح السكانية الأكثر فقراً في البلاد. وقللت سياسات الحزب من الفقر المدقع وظل يتمتع بالشعبية، لكنه لم يفعل الكثير لخلق فرصة حقيقية للبولنديين الأكثر فقراً في المناطق الريفية.
وفي ذات الوقت، عملت «الإصلاحات المؤسسية» التي انتهجها الحزب على إضعاف المساءلة الديمقراطية باستمرار. وقد تركزت أكثر الهجمات على المحاكم والقضاء المستقل، مما جعل محكمة العدل الأوروبية تصدر حكمين بارزين ضد القواعد الجديدة التي تمنح السلطة التنفيذية في بولندا سلطات واسعة في جميع مستويات السلطة القضائية.
وقام التلفزيون البولندي الوطني خلال الحملة بتصوير «دودا» مع خلفية تلوح بالأعلام والموسيقى المثيرة للحماس. وعلى النقيض، تم تصوير ترزاسكوفسكي على أنه يستعد لبيع المصالح الوطنية البولندية للاتحاد الأوروبي واستخدام الأموال المخصصة لبرامج الرفاه لدفع التعويض للعائلات اليهودية بسبب ما حدث لها في الحرب العالمية الثانية! 
وخلصت منظمة الأمن والتعاون الأوروبي، بعد الجولة الأولى من التصويت، إلى أن البرنامج الانتخابي كان «مشحوناً بكراهية الأجانب ومعاداة السامية».
وقال ترزاسكوفسكي إن الديمقراطية في بولندا تتعرض للهجوم، لكن لم يتم تدميرها بعد. وتظهِر النتائج المتقاربة للتصويت مدى أهمية الحريات الديمقراطية في بلد تخلص من الشيوعية منذ ثلاثة عقود فقط. وهو يختلف كثيراً عن المجر، حيث يدير فيكتور أوربان الآن، وبشكل فعال، حكماً ثيوقراطياً من حزب واحد.
ومع ذلك، تكثّف الانتخابات التحدي الذي يواجه الاتحاد الأوروبي، ويجب أن يُنظر إليها باعتبارها دعوة للاستيقاظ موجهة للذين في الديمقراطيات الأكثر نضجاً والذين يعتقدون أن الضوابط والتوازنات الرقابية تحمي الناخبين.
لقد انتقد الاتحاد الأوروبي سياسات «حزب القانون والعدالة»، لكنه بدا عاجزاً عن مواجهته. وفي ديسمبر 2017، أثار الاتحاد الأوروبي إجراءات المادة 7 ضد بولندا، وهي المرة الأولى التي يستخدم فيها آلية قانون الاتحاد الأوروبي الذي يسمح بمعاقبة دولة عضو لفشلها في الالتزام بالقيم الديمقراطية الأساسية.

*كاتبة متخصصة في الشؤون الأوروبية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»