يركز أحدث كتب عالم البيئة «كارل سافينا» على ببغاء مكاو القرمزي وحوت العنبر والشمبانزي، لكن اهتماماته تجاوزت كثيراً الحيوانات الثلاثة. فهو يكتب في المجلد الذي عنوانه «أن تصبح وحشياً: كيف تنشئ ثقافات الحيوانات الأسر وتخلق الجمال وتحقق السلام»، عن الثقافة وأبنية المجتمعات وما يجعلنا ما نحن عليه. وقد اختار سافينا الحيوانات الثلاثة بذكاء في التنوع، فهي عبارة عن حيوان ثديي مائي عملاق وطائر مداري وأحد أقرب الحيوانات قرباً جينياً للبشر. وراقب سافينا هذه الحيوانات الثلاثة في بيئاتها الطبيعية، وبالإضافة إلى الرصد الشيق لسلوكها من خط المواجهة، فقد حفلت قطاعات كبيرة من الكتاب بوصف من الطراز الأول للطبيعة.
ويشير سافينا إلى أن «الشمبانزي ليسوا أسلافنا، فآخر نوع من أسلاف الشمبانزي والبشر انقرض. الشمبانزي من معاصرينا. إنهم شمبانزي كاملون وليسوا بأي حال بشراً نصف ناضجين». وهذه فكرة تتردد على امتداد الكتاب. والسبب الرئيسي لهذا الاحتراز هو أحد مساعي الكتاب الرئيسية التي تتمثل في تدمير فكرة استثنائية الإنسان. فعلى مدار قرون، أكد علماء وفلاسفة على هذه الاستثنائية في فكرة بعد الأخرى تشير إلى أن الإنسان، على سبيل المثال، هو الحيوان الوحيد الذي له لغة وأنه الحيوان الوحيد صانع الأدوات، وغيرها من الأفكار. وكل هذه الأفكار تقودنا إلى فكرة واحدة مفادها أن البشر هم الوحيدون الذين لديهم حضارة. ويوضح كتاب سافينا أن علماء الطبيعة علموا على مدار قرون أن هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة. وبدأ البشر في الآونة الأخيرة فحسب يدركون ثقافات الحيوانات من حولهم. وكتب سافينا في كتابه يقول: «البشر يستخدمون اللغة لدرجة أنها تنهك قدرتنا على إدراك الإشارات غير اللفظية المضمرة وغير المضمرة التي نبديها نحن بأنفسنا باستمرار ونستجيب لها. فالعالم غارق في طبقات وأمواج من الاتصال».
وكتاب «أن تصبح وحشياً» يعج بالاتصال من كل نوع، الاتصال الذي تحل من خلاله الكائنات المعقدة والمتعاطفة مشكلات عالمها. ويذكر سافينا قرّاءه بأن بعض الطيور لديها مهارات صناعة الأدوات تعادل تلك التي تمتلكها القردة. وكتب يقول: «تصنع بعض غربان كالدونيا الجديدة أدوات معقوفة، وهو شيء لا تصنعه حتى الشمبانزي. فالقردة لا تتفوق بالكثير، إذا كان لها مثل هذا التفوق أصلا، على الببغاوات والغربان». وصغار الببغاوات تنفق سنوات تتعلم صناعة الأدوات من الآباء. وقبائل حوت العنبر تترابط فيما بينها بشبكات صوتية تمتد عبر نصف الكرة الأرضية وهي شبكات مليئة بالتراكيب والألفاظ بل واللكنات الإقليمية. وحيوانات الشمبانزي تعكس كل التعقيد في الاتصال بين الأشخاص الذي لدى البشر.
وينقل سافينا شعور عالم الطبيعة بروعة جمالها المبهر. ويكتب في مكان ما من الكتاب: «من فوق شجرة قابوق شاهقة يشرق كوكب متألق في منظر لا ينسى لكوكب الزهرة فوق غابات الأمازون». وفي إعجابه بالجمال الآخاذ للببغاوات يكتب قائلاً: «كيف تتواجد مثل هذه الألوان المبهرجة؟ لماذا تنتج الطيور مثل هذا الجمال؟».
ويعود سافينا إلى فكرة أن البشر ليسوا مركز الكون. ويعترف أن هذا لا يريح بعض الناس. ووسط كثير من المزايا التي يحويها هذا الكتاب، فهو يخفف من عدم الارتياح في هذا الجانب. والكتاب ينقل اهتمامات كتاب رائع آخر لسافينا، صادر عام 2015 بعنوان «فيما وراء الكلمات: بما تفكر وتشعر الحيوانات»، ويجعل لاكتشافاته البدهية وجوهاً. وأحد هذه الوجوه لطائر له تاج أحمر زاه من الريش والآخر لحيوان بحري عملاق والثالث لحيوان بري له تعبيرات تشبه كثيراً تعبيرات القارئ. وجميعها لديها ثقافات، وجميعها لديها مجتمعات، وجميعها أقارب.

*كاتب أميركي 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»