سأحتفل كل يوم وكل عيد بكم، يا إخوتي وعائلتي، في القرب كنتم، أو في البعد. فما البعد إلا مسافة في الأرض، يجتازها الشوق، كالبرق أو كلمح البصر. سألبس ثوباً جديداً، وأزهو بزينتي، وأرتدي العقد الذهبي المطرز باللؤلؤ، الذي شبكته خالتي ومربيتي (رحمها الله وأسكنها فسيح جناته) برقة أصابعها وحنان قلبها حول عنقي. وأعلق الأقراط الذهبية الطويلة في أذني لتهتز على إيقاع فرحي. سأعد الحلوى والشاي المعطر بأنفاس حبي، وأعد الطعام بالبهارات التي تحبونها، دون أن أشم إلا رائحة الورد الذي ينث من تنفسكم. وإذا ما استغرقتم في نومكم، ونسيتم أن العيد يطرق الباب، سأوقظكم حتى وأنتم في البعد عني، لتعلموا أن من يوقظكم من غفو النسيان، هي أنا التي يعصى عليها نسيانكم. لكنني سوف أهزكم، كما أهز ياسمينة ليتساقط عطرها على يقظتكم. وأعرف أنكم ستستيقظون بشغبكم المعهود، وتتذمرون قليلاً، لكني سأذكركم بالعيد، وأضمكم، وأقبلكم، وأقول لكم: كل عيد ونحن بالحب أعياد وأفراح وحب. أواه.. كم مر عيد وأنتم في البعيد. كأنما الأعياد التي يزهو بها الناس، تأبى أن تجمعنا، وتذكرنا بكل عيد نحتفي فيه بلقاء أحبائنا. فكيف يكتسب العيد فرحته وأنتم في البعد القصي سادرون، ولا من غفوة نسيانكم تستيقظون. عندما كنا معاً، كانت الأيام التي تجمعنا عيداً دائماً يفيض بالحب والغبطة. لكنني في كل عيد مر بي ولم نحتف معاً، عذرتكم، لأن المسافات حالت دون التقائنا. لكن شوقي إليكم يظل مشدوداً إلى خفق قلبي. ومهما بلغنا في التباعد والنسيان، سيلم العيد شمل الذين افترقوا لأسباب وأسباب. وسيجتمع الأهل حول مائدة واحتضان واحتفاء. ها أن العيد جاء، لكنني في قسوة البعد الذي يلهو بنا، سأشهق كل ثانية بأشواقي إليكم. أتعرفون كم افترقنا منذ كنا معاً، وكم أن البعد صار أطول من قربنا؟ أليس العيد أن يلتقي المحبون بالمحبين، ويذكّرُ من ينسى أحبته، وأن العيد غفران وتجديد وتقريب. في العيد سينسى المحبون والأصدقاء والأقرباء عداوات أثقلت القلوب، وطوحهم غضبٌ، وفرقهم عتبُ. لكن فرحة العيد، ستشفيهم، كما تشفى الجراح. فالحب ليس سوى العيد ناهضاً من سقطة النسيان، والقرب بعد قسوة البعد. لو أنكم معي، لكان العيد أعياداً وقلبي كالموائد حولها أنتم تضجون بالأفراح والسعادة والحب. لو كنتم بقربي، كنت ارتديت أجمل أثوابي، وزينت زوايا البيت بالفل والورد والريحان، ورفرفت خطاي كالفراشة من فرح ونشوة وترحيب. فليكن مبارك هذا العيد عليكم وعلى كل الناس، في القرب كانوا، أو في البعد!