سيبيريا تحترق؟! تشهد الكتلة الأرضية الآسيوية الروسية الضخمة مساحةً والقليلة سكاناً، درجات حرارة قياسية، وذلك للسنة الخامسة على التوالي. ولكن هذا العام شهدت المنطقة حرائق غابات غير مسبوقة أتت على أراض بحجم ولاية واشنطن الأميركية، وغطت مناطق شاسعة بتلوث كثيف للهواء. والمدن التي نادراً ما سجلت درجات حرارة أعلى من 21 درجة عانت من موسم حار بدأ مبكراً هذا العام إذ حلّ قبل موعده المعتاد بشهر، وكانت تعلن باستمرار عن درجات حرارة يومية أعلى بعدة درجات من المعدل في مثل هذه الفترة من السنة. 
ويقول علماء إن سيبيريا تحتر بمعدل يفوق المعدل العالمي بمرتين – ما يؤدي إلى أحداث مناخية متطرفة، وتدهور شديد للبيئة، ومضاعفات خطيرة – محذّرين من أن الأمر يتعلق بكارثة مناخية قد تكون في بدايتها فقط. 
وفي هذا الإطار، تقول «نادزدا شيباكوفا»، الباحثة بـ«معهد سوكاشيف» للغابات في كراسنويارسك: «إذا تكرر الارتفاع في درجات الحرارة العام المقبل، سيصبح الوضع على الحافة الجنوبية للغابات السيبيرية حرجا»، مضيفة «ولهذا، لا بد من فعل شيء ما إزاء انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري على المدى الطويل».
وتشير التقديرات إلى أن حرائق الغابات الحالية أفرجت عن 56 مليون طن من ثاني أوكسيد الكربون في الجو حتى الآن – أي أكثر من الانبعاثات السنوية لبعض البلدان الأوروبية متوسطة الحجم. وتفيد تقارير بأن الدخان السام الناجم عن تلك الحرائق سقط وخيّم على عدد من البلدات، ما أدى إلى تفاقم الظروف الصحية – والنفسية - للعديد من السكان الذين ما زالوا يخضعون للإغلاق الإلزامي بسبب فيروس كورونا. 
وفي غضون ذلك، تسرّع درجاتُ الحرارة المرتفعة ذوبان 17 مليون ميل مربع من الطبقات الأرضية المتجمدة لروسيا فوق الدائرة القطبية. وهو ما تسبب في حادث صناعي كارثي واحد على الأقل، ويهدد سلامة البنية التحتية للمنطقة، بما في ذلك خطوط الأنابيب والطرق والمساكن. 
بيد أن انحسار الطبقة المتجمدة كشف عن الكثير من بقايا نوع من حيوانات الماموث المنقرضة منذ عهد بعيد، والتي كانت مجمدة لآلاف السنين تحت مناطق «التوندرا» (مساحات تخلو من الأشجار بالمناطق الباردة)، ما أدى إلى تخوفات من تهافت جماعي على المنطقة بحثا عن أنياب العاج الثمينة التي تنتزع من هذه الحيوانات التي تعود لفترة ما قبل التاريخ. ولكن ذوبان التربة يهدد أيضا بتحرير كميات ضخمة من الغازات المسببة للاحتباس الحراري، مثل الميثان، التي كانت محبوسة في الجليد طيلة التاريخ الإنساني، ما يهدد بتداعيات لا حصر لها مستقبلا.
كما أن الاختفاء شبه الكامل للجليد البحري قبالة الساحل الشمالي لروسيا هذا العام جلب بعض المنافع الاقتصادية، إذ تتوقع شركات الملاحة البحرية أن يصبح التنقل عبر «الممر الشمالي الشرقي» الذي كان يكسوه الجليد في السابق ممكناً قريباً على مدار السنة. ومنذ أكثر من عقد من الزمن، كانت روسيا تستعد لاستغلال الكنز الكبير من الموارد التي تزخر بها والتي بات من الممكن الوصول إليها الآن بالتوازي مع شروع كتل الجليد القطبي في الانحسار، وكانت تعمل باطراد على إنشاء البنية التحتية، بما في ذلك القواعد العسكرية، لدعم هذا الجهد. ولكن العلماء يشتكون من أن تراجع «بياض» الصفائح الجليدية الآخذة في الاختفاء (أي قدرتها على عكس الأشعة) لن يؤدي إلا إلى ردود فعل سلبية تسرّع الذوبان في السنوات المقبلة.
وحسب «فالنتينا خان»، نائبة مدير مركز أبحاث الأرصاد الجوية في الفيدرالية الروسية، والذي يُعد جزءاً من هيئة الطقس الوطنية: «هذه ظواهر غير مسبوقة، ما نشهده ليس مجرد معدل ارتفاع للحرارة فوق سيبيريا والمنطقة القطبية يفوق المعدل العالمي بمرتين أو ثلاث مرات، وإنما تغيرات في الأنماط المناخية. ومستقبلا هناك احتمال وقوع أحداث مناخية أكثر تطرفا، ستكون أقوى وأشد في تواترها ومدتها».
وفي الأثناء، ينتاب الخوف والإحباط نشطاء البيئة، حيث يرى «فلاديمير سليفياك»، الرئيس المشارك لـ«إيكوديفانس» («الدفاع عن البيئة»)، التي تُعد واحدة من أقدم المنظمات البيئية في روسيا: «لقد كنا نحذّر من هذا الأمر منذ عقدين من الزمن على الأقل، ولكن الحكومات الروسية المتعاقبة فشلت في الإصغاء لتحذيراتنا»، مضيفا «اليوم أخذ ذلك يحدث ومازالوا في حالة إنكار. وبالطبع هناك معلومات موثوقة أكثر في الإعلام الروسي حول ارتفاع حرارة الأرض والكارثة البيئية المتزايدة مقارنة مع ما قبل عشر سنوات، والعلماء يتحدثون حول الموضوع أكثر، ولكننا ما زلنا لا نسمع الكثير من المسؤولين الحكوميين». 
وأردف قائلا: «ما ينبغي أن نراه عاجلا هو اجتراح مخطط للتكيف مع الوضع الجديد. قبل عقدين، ركزنا على تقليص الغازات المسببة للاحتباس الحراري. ولكن الآن لدينا عملية احترار مستمرة، وهي ستبقى معنا لبعض الوقت»، مضيفا «وعلى سبيل المثال، نحتاج لتدبير ملائم للغابات، مع تحسين الوقاية من الحرائق وتعزيز القدرات على مكافحة الحرائق، والحال أن أعداد الأشخاص الذين يقومون بهذه الأشياء ما فتئ يتقلص بشكل مطرد. والمقاربة الرئيسية المعتمدة في الوقت الراهن يبدو أنها تتلخص في انتظار الخريف حتى تأتي الأمطار. ولكن ماذا عن العام المقبل؟».
*صحافي كندي متخصص في الشؤون الروسية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»