الاشتباك الذي حدث، قبل يومين، على الحدود الجنوبية اللبنانية، ليس الأول كما نعرف، ولن يكون الأخير كما نفهم. فهذه «الجغرافيا الصغيرة» التي لا تزيد مساحتها على 1000 كلم مربع، تمثل «أرضاً مقدسة» لميليشيا «حزب الله» ولإسرائيل، على حد سواء. الميليشاويون في «حزب الله» يستخدمونها، منذ ثمانينيات القرن الماضي، في عملية تأصيل وجودهم، وخلق الأسباب التي تساعدهم في إقناع الشعب اللبناني، في الشمال وفي الوسط، بأهمية بقاء السلاح في أيديهم. والساسة الإسرائيليون، على الطرف الآخر، يستخدمون هذه الأرض المباركة في تصحيح «التشوهات الانتخابية» التي تطرأ بين الحين والآخر على صفحاتهم السياسية. 
قدر الجنوب اللبناني أن يكون «حجر نرد» بين ميليشيا خارجه عن القانون ودولة خارجة عن القانون!. وقدر المواطن الجنوبي البسيط، أن يُهزم في كل مرة، في حرب لم يخترها، ولم يدعُ لها!.
قبل يومين، عادت اللعبة من جديد. وعادت هذه المرة من طرف «حزب الله»، عملاً بمبدأ تناوب «الحضور الأول» وتبادل الأدوار. ولم تكن هذه العودة «الحزبلاهية» للانتقام لمقتل «المواطن الحزبلاهي» علي كامل محسن، قرب مطار دمشق، في 20 يوليو الماضي خلال غارة إسرائيلية، كما يذهب بعض المراقبين والمحللين السياسيين، وإنما جاءت لجر الإسرائيليين لقصف الجنوب اللبناني، بهدف خلق توتر ينفّس قليلاً من الضغط في بيروت.
تعود اللبنانيون طوال عقود على لعبة «هيا، لندمر البلد»، بهدف إيجاد المبررات لبقاء «حزب الله» وبقاء سلاحه، لكن اليوم تغيّرت قواعد اللعبة قليلاً، فالهدف ليس بقاء «حزب الله»، هذه مسألة ربما لا جدال عليها من واقع الظروف اللبنانية الحالية. الهدف، اليوم، أصبح أوسع وأكثر شمولية، وهو الإبقاء على «حكومة حسان دياب»، وتخفيف الضغط المتصاعد عليها.
أربعة متسللين «حزبلاهيون» يعبرون الحدود باتجاه إسرائيل، ولا أستبعد أبداً أن يكونوا مواطنين جنوبيين بسطاء مهزومين في الحالتين، من أجل جر إسرائيل إلى البدء في لعبة قصف القرى الجنوبية التي تؤوي آلاف المواطنين. كل ذلك من أجل بدء مرحلة جديدة من الحشد الشعبي لمواطني الوسط والشمال، كما جرت العادة، ودفعهم إلى الالتفاف حول حكومة دياب، التي تعاني على المستويات كافة. 
«حزب الله»، ليس قادراً على صنع الحلول التي تُخرج اللبنانيين من المأزق الاقتصادي والسياسي الذي وجدوا أنفسهم فيه، بفضل إيران ووكلاء إيران. وفي الوقت ذاته لا يستطيع الانتظار لحين تخلُّق «حلول الصدفة الهشة»، التي طالما أسهمت في عملية «التخدير الوطني»، لأن الوقت اللبناني لم يعد مسطحاً، كما كان خلال السنوات القليلة الماضية، وإنما صار مدبباً، بسبب حراك الشارع المتصاعد. إذن، لا بأس من إدخال العامل الإسرائيلي لخلط الأوراق من جديد.
قبل أيام، قال نعيم قاسم، نائب الأمين العام لـ«حزب الله»، إن «الظروف والأجواء الحالية لا تشير إلى حدوث حرب»، وهذا بالضبط ما أسمية «التنصل الابتدائي» المخطط له بعناية، قبل تسلل الأربعة المهزومين. 
*كاتب سعودي